للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما كان يحدث منهم خروج عن هذا المنهج، فسرعان ما يندمون ويرجعون، كما فعل أسامة بن زيد – رضي الله عنهما – عندما قتل ذلك المشرك بعد أن قال لا إله إلا الله، فعنفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورد عليه تصوره أن ذاك المقتول إنما قال ذلك تعوذا وخوفاً من القتل، وقال: ((إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس)) (١).

والحاصل أن الوقائع من هذا النوع قليلة؛ وذلك لما كان للهدي النبوي من أثر في تربيتهم – رضوان الله عليهم أجمعين.

ولم يؤثر عن هؤلاء الأخيار أنهم طعنوا في نيات الأشخاص أو مقاصدهم؛ لعلمهم أنه لا سبيل لهم إلى ذلك، فتركوا عناء الحكم عليها.

فالتزام التفريق بين أحكام الدنيا وأحكام الآخرة عند الحديث في مسائل التكفير أو التبديع أو التفسيق، وكذا التفريق بين الفعل والفاعل وأحكام المعين وغير المعين هو منهج أهل السنة، وهو الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح؛ لأن قوامه العدل الذي أمر الله به في كتابه، قال تعالى: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ، وقال تعالى: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ [النساء: ٥٨]. الجهل بمسائل الاعتقاد وحكمه لعبد الرزاق بن طاهر بن أحمد– ص: ١٣١


(١) رواه مسلم (١٠٦٤). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. بلفظ: ((بعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، من اليمن، بذهبة في أديم مقروظ. لم تحصل من ترابها. قال: فقسمها بين أربعة نفر: بين عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرابع إما علقمة بن علاثة وإما عامر بن الطفيل. فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء. قال: فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحا ومساء. قال: فقام رجل غائر العينين. مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار. فقال: يا رسول الله! اتق الله. فقال: ويلك! أو لست أحق أهل الأرض أن يتقى الله. قال: ثم ولي الرجل. فقال خالد بن الوليد: يا رسول الله! ألا أضرب عنقه؟ فقال: لا. لعله أن يكون يصلي. قال خالد: وكم من مصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس)).

<<  <  ج: ص:  >  >>