للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن جرير: وكتب إلي السري عن شعيب عن سيف بن أبي حارثة وأبي عثمان – يزيد بن أسيد الغساني – قال: (لما كان يوم الخميس على رأس خمسة أيام من مقتل عثمان رضي الله عنه جمعوا أهل المدينة فوجدوا سعداً والزبير خارجين ووجدوا طلحة في حائط له ... فلما اجتمع لهم أهل المدينة قال لهم أهل مصر: أنتم أهل الشورى، وأنتم تعقدون الإمامة وأمركم عابر على الأمة فانظروا رجلاً تنصبونه ونحن لكم تبع فقال الجمهور: علي بن أبي طالب نحن به راضون). وفي رواية أخرى: أن جمهور الصحابة لما عرضوا على علي رضي الله عنه الخلافة قال لهم: (دعوني والتمسوا غيري ... فقالوا: ننشدك الله ألا ترى الفتنة ألا تخاف الله؟ فقال: إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم وإن تركتموني فإنما أنا كأحدكم إلا أني أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم ثم على ذلك واتّعدوا الغد ... فلما أصبحوا يوم الجمعة حضر الناس المسجد وجاء علي حتى صعد المنبر فقال: يا أيها الناس – عن ملأ وإذن – إن هذا أمركم ليس لأحد فيه حق إلا من أمرتم، وقد افترقنا بالأمس على أمر فإن شئتم قعدت لكم، وإلا فلا أجد على أحد فقالوا نحن على ما فارقناك بالأمس) (١).

ومما تقدم تبين أن خلافة علي رضي الله عنه تمت بطريق الاختيار من جميع من كان موجوداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد استشهاد ذي النورين رضي الله عنه، وهذه الطريقة التي تم بها اختيار علي رضي الله عنه كالطريق التي ثبت بها خلافة الصديق أبي بكر رضي الله عنه حيث إن عثمان رضي الله عنه لم يعين أحداً يقوم بالخلافة بعده فقد روى الإمام أحمد والبخاري والحاكم عن مروان بن الحكم: (أن عثمان رضي الله عنه أصابه رعاف شديد سنة الرعاف حتى حبسه عن الحج وأوصى وطلب منه أن يستخلف فلم يستخلف رضي الله عنه وأرضاه) (٢) كما تبين أيضاً: مما تقدم (أن بيعة علي رضي الله عنه كانت كبيعة إخوانه من قبل جاءت على قدر وفي إبانها وأنها مستمدة من رضا الأمة في حينها لا من وصية سابقة مزعومة، أو رموز خيالية موهومة) (٣).

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: (وأما ما يغتر به كثير من جهلة الشيعة والقصاص الأغبياء من أنه أوصى إلى علي بالخلافة فكذب وبهت وافتراء عظيم يلزم منه خطأ كبير من تخوين الصحابة، وممالأتهم بعده على ترك إنفاذ وصيته وإيصالها إلى من أوصى إليه، وصرفهم إياها إلى غيره لا لمعنى ولا لسبب وكل مؤمن بالله ورسوله يتحقق أن دين الإسلام هو الحق يعلم بطلان هذا الافتراء لأن الصحابة كانوا خير الخلق بعد الأنبياء وهم خير قرون هذه الأمة التي هي أشرف الأمم بنص القرآن، وإجماع السلف والخلف في الدنيا والآخرة ولله الحمد) (٤). عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم – لناصر بن علي عائض –٢/ ٦٧٧


(١) ((تاريخ الأمم والملوك)) (٤/ ٤٣٣ - ٤٣٥)، ((الكامل)) (٣/ ١٩٢ - ١٩٣).
(٢) رواه البخاري (٣٧١٧)، وأحمد (١/ ٦٤) (٤٥٥)، والحاكم (٣/ ٤٠٩).
(٣) من كلام محب الدين الخطيب في تعليقه على ((العواصم من القواصم)) (ص: ١٤٣).
(٤) ((البداية والنهاية)) (٧/ ٢٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>