للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا المذهب منسوب إلى الصحابة الذين اعتزلوا الفتنة التي وقعت بين علي ومعاوية رضي الله عنهما. وهم: سعد بن أبي وقاص، وأسامة بن زيد، وابن عمر، ومحمد بن مسلمة (١)، وأبو بكرة رضي الله تعالى عنهم أجمعين. وهو: مذهب الحسن البصري (٢) والمشهور عن الإمام أحمد بن حنبل وعامة أهل الحديث. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( ... ولهذا كان مذهب أهل الحديث ترك الخروج بالقتال على الملوك البغاة والصبر على ظلمهم إلى أن يستريح بر، أو يستراح من فاجر ... ) (٣).

هذا وقد ادعى الإجماع على ذلك بعض العلماء كالنووي في شرحه لصحيح مسلم (٤) وكابن مجاهد البصري الطائي فيما حكاه عنه ابن حزم (٥) ولكن دعوى الإجماع فيها نظر، لأن هناك من أهل السنة من خالف في ذلك (٦).

الأدلة:

استدلوا على مذهبهم وهو ترك الخروج على أئمة الظلم بالسيف بالأدلة التالية:

أولاً: الأحاديث الواردة في الأمر بالطاعة وعدم نكث البيعة والأمر بالصبر على جورهم وإن رأى الإنسان ما يكره. وهي أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر المعنوي كما ذكر ذلك الشوكاني (٧) رحمه الله أهمها:

١ - حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال: (بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا وعلى أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان) (٨). وفي رواية: (وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول الحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم) (٩). قال ابن تيمية بعد ذكره لهذا الحديث: (فهذا أمر الطاعة مع استئثار ولي الأمر، وذلك ظلم منه، ونهي عن منازعة الأمر أهله وذلك نهي عن الخروج عليه) (١٠).

٢ - حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: ((إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إنه يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: أفلا نقاتلهم قال: لا ما صلوا)) (١١).

٣ - حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرًا فمات ... مات ميتة جاهلية)) (١٢).

٤ - حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: ((سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم. وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم. قال: قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئًا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدًا من طاعة)) (١٣).

٥ - حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)) (١٤).


(١) [١٣٤٢٢])) ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) لابن حزم (٤/ ١٧١).
(٢) [١٣٤٢٣])) ((البداية والنهاية)) لابن كثير (٩/ ١٣٥).
(٣) [١٣٤٢٤])) ((مجموع الفتاوى)) (٤/ ٤٤٤).
(٤) [١٣٤٢٥])) ((شرح صحيح مسلم)) (١٢/ ٢٢٩).
(٥) [١٣٤٢٦])) ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: ١٩٩).
(٦) [١٣٤٢٧])) ((إكمال المعلم)) للقاضي عياض (٦/ ١٢٨).
(٧) [١٣٤٢٨])) ((نيل الأوطار)) (٧/ ١٩٩).
(٨) [١٣٤٢٩])) رواه البخاري (٧٠٥٥)، ومسلم (١٨٤٠).
(٩) رواه البخاري (٧١٩٩)، ومسلم (١٨٤٠).
(١٠) [١٣٤٣١])) ((منهاج السنة)) (٢/ ٨٨).
(١١) [١٣٤٣٢])) رواه مسلم (١٨٥٤).
(١٢) [١٣٤٣٣])) رواه البخاري (٧٠٥٤)، ومسلم (١٨٤٩).
(١٣) [١٣٤٣٤])) رواه مسلم (١٨٥٥).
(١٤) [١٣٤٣٥])) رواه مسلم (١٨٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>