للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالثة: أنها بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم قد سنت سنة حسنة، فيكون لها أجر باقي الأمهات لا سيما والنبي صلى الله عليه وسلم يخبرهن جميعاً بما قالت عائشة رضي الله عنها.

عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سن في الإسلام سنة حسنة؛ فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً)) (١).

الرابعة: استبشار النبي صلى الله عليه وسلم باستجابتها حتى رئي الفرح في وجهه صلى الله عليه وسلم.

وكان من تبعات اختيار أمهات المؤمنين رضي الله عنهن الله ورسوله والدار الآخرة – وهو من الفضائل- إنزال بقية الآيات تكريماً لهن.

قال الشوكاني: (لما اختار نساء رسول الله رسول الله؛ أنزل فيهن هذه الآيات تكريماً لهن وتعظيماً لحقهن) (٢).

الفضيلة الثالثة: العناية بنصحهن وخطابهن بأحسن الألقاب:

وهذا أمر تميزن به عن بقية الصحابة، بل عن بقية آل البيت رضي الله عنهم أجمعين، يقول الألوسي: (قال تعالى: يَا نِسَاء النَّبِيِّ [الأحزاب: ٣٠] تلوين للخطاب، وتوجيه له إليهن لإظهار الاعتناء بنصحهن.

ونداؤهن هاهنا وفيما بعد بالإضافة إليه صلى الله عليه وسلم؛ لأنها التي يدور عليها ما يرد عليهن من الأحكام، واعتبار كونهن نساء في الموضعين أبلغ من اعتبار كونهن أزواجاً كما لا يخفى على المتأمل) (٣).

الفضيلة الرابعة: استحقاقهن الأجر العظيم:

قال تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب: ٢٩]، هذه الآية الكريمة تدل على أنهن سينلن أجراً عظيماً، وهذا الأجر العظيم مجمل بينته الآيات الأخر، وإذا تأملنا وجدنا أن هذا الأجر العظيم في الدنيا والآخرة؛ أما في الآخرة فكونهن مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، وهذا أمر لا غاية فوقه ولا مزية بعده، وفي ذلك من زيادة النعيم والثواب على غيرهن ما هو معلوم؛ فإن الثواب والنعيم على قدر المنزلة.

أما في الدنيا فمن ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: جعلن أمهات المؤمنين تعظيماً لحقهن، وتأكيداً لحرمتهن، وتشريفاً لمنزلتهن.

الوجه الثاني: حظر طلاقهن، وتحريم التزوج عليهن على أحد القولين عند المفسرين في قوله تعالى: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ [الأحزاب: ٥٢]؛ لأنهن لم يخترن غير النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بإمساكهن (٤).

الوجه الثالث: قتل قاذفهن، أما غيرهن فالجلد فقط.

ويلاحظ في الآية الكريمة إيقاع الظاهر موقع المضمر؛ فإنه تعالى قال: فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب: ٢٩]، ولم يقل فإن الله أعد لكن أجراً عظيماً.

والحكمة من ذلك كما قال بعض المفسرين: (تنبيهاً على الوصف الذي ترتب لهن به الأجر العظيم وهو الإحسان؛ كأنه قال: أعد لكن؛ لأن من أراد الله ورسوله والدار الآخرة كان محسناً) (٥)، وهذا التعليل يتماشى مع الفائدة العامة للإظهار في موضع الإضمار عند المفسرين (٦)، وهو بيان علة الحكم.

وقال بعض المفسرين: الفائدة من ذكر الإحسان؛ ليعلم أن هذا الأجر حاصل لهن على مقدار إحسانهن؛ لأن الإحسان متفاوت، فعلى مقدار إحسان كل واحدة يكون أجرها العظيم (٧).

ولا مانع من صواب هذا الرأي أيضاً؛ إذ أنه لا يخلو مثال للإظهار في موضوع الإضمار من فائدة خاصة به (٨).


(١) رواه مسلم (١٠١٧).
(٢) ((فتح القدير)) (٤/ ٢٧٦).
(٣) ((روح المعاني)) (٢١/ ١٨٤).
(٤) ((أحكام القرآن)) لابن العربي (٣/ ٥٦٥ - ٥٦٦).
(٥) ((البحر المحيط)) (٧/ ٢٢٠).
(٦) ((تفسير القرآن)) لابن عثيمين (١/ ٦٧).
(٧) ((التحرير والتنوير)) (٢١/ ٣١٦).
(٨) ((قواعد التفسير)) (١/ ٣٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>