للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن القيم: الذي يقوم عليه الدليل وجوب الإنفاق، وإن اختلف الدينان لقوله تعالى:

وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [لقمان: ١٤ –١٥].

وليس من الإحسان ولا من المعروف ترك أبيه وأمه في غاية الضرورة والفاقة وهو في غاية الغنى. وقد ذم الله قاطعي الرحم وعظم قطيعتها وأوجب حقها وإن كانت كافرة لقوله تعالى:

وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: ١].

وفي الحديث ((لا يدخل الجنة قاطع رحم)) (١).

وصلة الرحم واجبة، وإن كانت لكافر، فله دينه وللواصل دينه وقياس النفقة على الميراث قياس فاسد، فإن الميراث مبناه على النصرة والموالاة بخلاف النفقة فإنها صلة ومواساة من حقوق القرابة.

وقد جعل الله للقرابة حقاً – وإن كانت كافرة – فالكفر لا يسقط حقوقها في الدنيا. قال تعالى:

وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء: ٣٦].

وكل من ذكر في هذه الآية فحقه واجب وإن كان كافراً، فما بال ذي القربى وحده يخرج من جملة من وصى الله بالإحسان إليه (٢).

من هنا: يتضح لنا: أن الموالاة الممثلة في الحب والنصرة شيء. والنفقة والصلة والإحسان للأقارب الكفار شيء آخر. وسماحة الإسلام أيضاً تتضح في معاملة الأسرى والشيوخ والأطفال والنساء في الحرب. كما هو معلوم من صفحاته المشرقة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الأصل أنه لا يحرم على الناس من المعاملات التي يحتاجون إليها إلا ما دل الكتاب والسنة على تحريمه، كما لا يشرع لهم من العبادات التي يتقربون بها إلى الله إلا مما دل الكتاب والسنة على شرعه. إذ الدين ما شرعه الله، والحرام ما حرمه الله، بخلاف الذين ذمهم الله حيث حرموا من دون الله ما لم يحرمه الله وأشركوا به ما لم ينزل به سلطاناً، وشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله (٣).

وانطلاقاً من هذه القاعدة وبناء على النصوص الشرعية وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الراشدين وأئمة المسلمين نقول: إن التعامل مع الكفار في البيع والشراء والهدية وخلاف ذلك لا يدخل في مسمى الموالاة، بل يباح للمسلم البيع والشراء مع الكفار فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية يسأل عن معاملة التتار فيقول:

(يجوز فيها ما يجوز في معاملة أمثالهم، ويحرم فيها ما يحرم في معاملة أمثالهم، فيجوز أن يبتاع الرجل من مواشيهم وخيلهم ونحو ذلك كما يبتاع من مواشي الأعراب والتركمان والأكراد ويجوز أن يبيعهم من الطعام والثياب ونحو ذلك ما يبيعه لأمثالهم.

فأما إن باعهم أو باع غيرهم ما يعينهم به على المحرمات، كبيع الخيل والسلاح لمن يقاتل به قتالاً محرماً فهذا لا يجوز قال تعالى:


(١) [١١١٤])) رواه البخاري (٥٩٨٤) ومسلم (٢٥٥٦) من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه.
(٢) [١١١٥])) ((أحكام أهل الذمة)) (٢/ ٤١٧ – ٤١٨).
(٣) [١١١٦])) ((السياسة الشرعية)) (ص ١٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>