للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أهم الأعمال القلبية التي يتحقق بها كمال التوحيد الرضا (وقد جاء هذا الرضا بأنواعه مبينا في سورة الأنعام التي هي سورة التوحيد العظمى، فقد اشتملت على ثلاثة أنواع من الرضا هي جماع التوحيد كله:

١ - الرضا بالله ربا لا شريك له في التقرب والتأله والتعبد: قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام: ١٦٤].

٢ - الرضا بالله حكما لا شريك له في التشريع والطاعة: أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً [الأنعام: ١١٤].

٣ - الرضا بالله وليا لا شريك له في محبته وموالاته: قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [الأنعام: ١٤].

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا)) (١). وقال عليه الصلاة والسلام: ((من قال حين يسمع النداء: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولاً، غفرت له ذنوبه)) (٢).

واللوازم الظاهرة التي يتحقق بها التوحيد تتلخص في أتباع أوامر الله واجتناب نواهيه، وتحقيق ذلك بأتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والالتزام بالشريعة. وهذا هو مقتضى الشهادتين (لا إله إلا الله، محمد رسول الله).

ومما يلي مقام الرضا من أعمال القلوب، مقام الصدق والإخلاص (وهذان عملان قلبيان من أعظم أعمال القلوب وأهم أصول الإيمان. فأما الصدق، فهو الفرقان بين الإيمان والنفاق، وأما الإخلاص، فهو الفرقان بين التوحيد والشرك – في قول القلب واعتقاده، أو في إرادته ونيته – والأعمال – التي رأسها وأعظمها شهادة أن (لا إله إلا الله) – لا تقبل إلا بتحقق الصدق والإخلاص ...

وأكذب الله المنافقين في دعوى الإيمان وقول الشهادة؛ لانتفاء الصدق، فقال: إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون: ١] ...

كما أبطل سبحانه زعم أهل الكتاب والمشركين أن دينهم هو الحق بانتفاء الإخلاص، فقال: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ [البينة: ١] إلى أن يقول وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة: ٥]، وقال تعالى: اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة: ٣١] ...

فعلى محك الصدق والإخلاص بطلت أكثر دعاوي العابدين وهلك أكثر الثقلين، فالصدق يخرج كل من عبد مع الله غيره، أو أراد غيره معه في عمل من أعمال العبادة، كما في الحديث الصحيح: قال الله تبارك وتعالى: ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)) (٣).) (٤).


(١) رواه مسلم (٣٤). من حديث العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه.
(٢) رواه مسلم (٣٨٦). من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
(٣) رواه مسلم (٢٩٨٥). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) ((ظاهرة الإرجاء)) (ص: ٤٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>