للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة: ١٤٣].

في الآية بيان أفضلية هذه الأمة، وأن الله جعلها أمة وسطاً، والوسط هو العدل (١)؛ وفي التنزيل قَالَ أَوْسَطُهُمْ [القلم: ٢٨] أي أعدلهم وخيرهم (٢). وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا قال: (عدلاً) (٣). وقال زهير (٤):

هم وسط يرضى الأنام بحكمهم ... إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم

ووجه الاستدلال بالآية: أنه أخبر أنه جعلهم أمة خياراً عدولاً فهم خير الأمم وأعدلها في أقوالهم، وأعمالهم، وإرادتهم، ونياتهم؛ وبهذا استحقوا أن يكونوا شهداء للرسل على أممهم يوم القيامة والله تعالى يقبل شهادتهم عليهم، فهو شهداؤه، ولهذا نوه بهم ورفع ذكرهم وأثنى عليهم، لأنه تعالى لما اتخذهم شهداء فإنه أعلم خلقه من الملائكة وغيرهم بحال هؤلاء الشهداء، والشاهد المقبول عند الله الذي يشهد بعلم وصدق فيخبر بالحق مستنداً إلى علمه به.

٢ - قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [البقرة: ٢١٨].

تفيد هذه الآية: إن الذين صدقوا بالله وبرسوله وبما جاء به هجروا مساكنة المشركين في أمصارهم ومجاورتهم في ديارهم فاستجابوا لنداء الهجرة وتحولوا عنهم وعن جوارهم فارين بدينهم وإيمانهم كراهة منهم النزول بين أظهر المشركين وفي سلطانهم ومن ثم حاربوهم في دين الله ليدخلوهم فيه وفيما يرضي الله، وقد بذلوا الغالي والنفيس، والأرواح والمهج؛ من أجل ذلك، أولئك يرجون رحمة الله ويطمعون في فضله.

وهذا الوصف بلا شك (ينطبق انطباقاً كاملاً على المهاجرين المجاهدين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم آمنوا بالله ورسوله إيماناً راسخاً، وتحملوا الأذى العظيم في سبيل ذلك الإيمان من مشركي مكة ثم أنهم استجابوا لنداء نبيهم بالهجرة من مكة إلى يثرب وتركوا أهليهم وأموالهم ومصالح دنياهم، مع كل ذلك فإخلاصهم العميق لربهم ونبيهم ودينهم لم يدفعهم إلى الاتكال على ما صنعوا، وإنما كانوا يرجون رحمة ربهم أذلاء خاشعين، يحاولون بكل الطرق نصرة دينهم، وتقديم أموالهم ودمائهم في سبيل الله، علهم ينالوا الفوز بالجنة التي وعدهم الله تعالى إياها) (٥).

قال قتادة: (أثنى الله على أصحاب نبيه أحسن الثناء فقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [البقرة: ٢١٨] هؤلاء خيار هذه الأمة ثم جعلهم الله أهل رجاء كما تسمعون وأنه من رجا طلب، ومن خاف هرب) (٦).


(١) ((تفسير الزمخشري)) (١/ ٣١٧)، ((تفسير البيضاوي)) (١/ ٩١).
(٢) ((تفسير القرطبي)) (٢/ ١٠٤)، ((تفسير ابن كثير)) (٤/ ٤٠٧).
(٣) رواه البخاري (٧٣٤٩).
(٤) ((تفسير الطبري)) (٢/ ٦)، ((تفسير الرازي)) (٤/ ١٠٧).
(٥) ((صحابة رسول الله في القرآن))، الدكتور حسن عبد الحميد (٧). وينظر: في تفسير الآية، ((تفسير الطبري)) (٢/ ٣٥٦)، ((تفسير الرازي)) (٦/ ٤١)، ((تفسير القرطبي)) (٣/ ٣٤)، ((تفسير البيضاوي)) (١/ ١١٨)، ((تفسير الألوسي)) (٢/ ١١٠).
(٦) ((تفسير الطبري)) (٢/ ٣٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>