للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشوكاني –رحمه الله-: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا. الحبل لفظ مشترك، وأصله في اللغة السبب الذي يتوصل به إلى البغية، وهو إما تمثيل أو استعارة. أمرهم سبحانه بأن يجتمعوا على التمسك بدين الإسلام أو بالقرآن، ونهاهم عن التفرق الناشئ عن الاختلاف في الدين) (١). وتبين لنا من كلام هؤلاء العلماء الأجلاء المنهج الصحيح الذي يؤدي إلى اجتماع كلمة المسلمين وتآلفهم. فإننا نلاحظ العبارة الدقيقة التي استعملها الطبري رحمه الله حيث قال: (والاجتماع على كلمة الحق). فإنه بدون هذا الضابط لا يكون الاجتماع صحيحا.

فلابد من أن يكون أساس الاجتماع هو الحق وكلمة الحق، وهذه الكلمة غالباً ما تطلق على كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) ولازمتها (محمد رسول الله) وذلك على فهم السلف الصالح لها بمراعاة شروطها، ولوازمها، وحقيقتها، ومعناها الصحيح مع معرفة نواقضها للاحتراز منها.

ثم نلاحظ أن ابن كثير رحمه الله بعد ذكره للاختلاف والفرقة التي حصلت في هذه الأمة، جعل مناط النجاة والفوز أن يكون المسلم متمسكاً بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وصحابته رضوان الله عليهم فيكون بذلك من الفرقة الناجية وذلك لما ورد في حديث الافتراق الصحيح الذي سيأتي تخريجه في الفضل القادم.

ويقول الشوكاني رحمه الله: (أمرهم سبحانه بأن يجتمعوا على التمسك بدين الإسلام أو بالقرآن). إذن فهي العودة الصحيحة إلى الينابيع التي قام عليها هذا الدين وهي الكتاب والسنة وما كان عليه سلفنا الصالح.

أما حقيقة الاعتصام بكتاب الله فيوجزها ابن القيم رحمه الله (وهو تحكيمه دون آراء الرجال ومقاييسهم، ومعقولاتهم، وأذواقهم وكشوفاتهم، ومواجيدهم. فمن لم يكن كذلك فهو منسل من هذا الاعتصام. فالدين كله في الاعتصام به وبحبله، علماً وعملاً، وإخلاصاً واستعانة، ومتابعة، واستمراراً على ذلك إلى يوم القيامة) (٢).

وأما قوله تعالى في آخر الآية: وَلاَ تَفَرَّقُواْ ولا تتفرقوا عن دين الله وعهده الذي عهد إليكم في كتابه من الائتلاف والاجتماع على طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والانتهاء إلى أمره (٣).

ثم ذكر بسنده عن قتادة في قوله تعالى: وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ. أنه قال: (إن الله عز وجل قد كره لكم الفرقة وقدم إليكم فيها، وحذركموها، ونهاكم عنها، ورضي لكم السمع والطاعة، والألفة والجماعة، فارضوا لأنفسكم ما رضي الله لكم إن استطعتم، ولا قوة إلا بالله) (٤).

وقال القرطبي رحمه الله في شأن ما يستنبط من الآية من الأحكام:

(الثانية قوله تعالى: وَلاَ تَفَرَّقُواْ يعني في دينكم كما افترقت اليهود والنصارى في أديانهم.


(١) ((فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير)) (١/ ٣٦٧) ط الحلبي – الثانية سنة ١٣٨٢هـ.
(٢) ((مدار السالكين)) (٣/ ٣٢٣) ط دار الكتب العلمية – بيروت ١٣٩٢هـ.
(٣) ((جامع البيان)) (٤/ ٣٢).
(٤) ((جامع البيان)) (٤/ ٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>