وقال سبحانه أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا [النساء: ٥٣ - ٥٤] وهذا استفهام انكار أي ليس لهم نصيب من الملك بل الله وحده هو المالك للملك الذي يهب ما يشاء لمن يشاء.
وقد دعا سليمان عليه الصلاة والسلام ربه قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ [ص: ٣٥].
دعاه أن يهبه ملكاً لا يكون لأحد من بعده فاستجاب الوهاب سبحانه له فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [ص: ٣٦ - ٣٩].
سخر الله له الريح التي تجري بأمره حيث أراد أي تحمله حيث شاء، والشياطين التي تعمل له ما يشاء من تماثيل ومحاريب وقصور وقدور وجفان، ويغوصون في البحار يستخرجون له اللآلئ. فيا له من ملك عظيم يعجز أعظم البشر مالاً وسلطاناً أن يهب شيئاً منه، هذا عطاؤنا هذه هبة الله لمن يريد من خلقه.
٥) الذرية هبة من الله أيضاً. قال جل ذكره لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى: ٤٩ - ٥٠] وقد مر قريباً كلام ابن كثير عليها.
وقد وهب الله سبحانه بعض الأنبياء الذرية بعد كبر السن ووهن العظم. قال تعالى عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام الحَمْدُ للهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ [إبراهيم: ٣٩].
وكذا زكريا صلى الله عليه وسلم وهبه الله الولد بعد ما طعن في السن وشاخ، وكانت امرأته عاقراً أيضا كما بين الله ذلك في مطلع سورة مريم، لكن ذلك لم يمنع زكريا عليه الصلاة والسلام من الطمع في هبة الله الوهاب، فدعا ربه رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً [آل عمران: ٣٨] فاستجاب الله دعاءه فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ [الأنبياء: ٩٠] أي شفى امرأته من العقم، فحملت يحيى عليه الصلاة والسلام فسبحان الكريم الوهاب. النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى لمحمد بن حمد الحمود– ص: ١٧٦