للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن حكم الله الشرعي حكمه بصلاح عمل الموحدين وحسنه وذلك يوجب تقديمه على كل عمل، فمن الآيات في هذا الباب قول الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً [النساء: ١٢٥] قال ابن جرير: (وهذا قضاء من الله جل ثناؤه للإسلام وأهله بالفضل على سائر الملل غيره وأهلها) (١) اهـ.

وقال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ... [فصلت: ٣٣ - ٣٤] أي أنه لا أحد أحسن قولاً ممن آمن بالله ودعا إلى الإيمان به واستسلم لشرع الله فقام بأمره واجتنب نهيه، ثم بين الله حكمه الشرعي بعدم تساوي الحسنة والسيئة. والأظهر في الكلمتين – أي الحسنة والسيئة – العموم كما قال ابن جرير: (ولا يستوي الإيمان بالله والعمل بطاعته والشرك به والعمل بمعصيته) (٢).

وقد حكم الله بضلال المشركين وعملهم، فبين أنه لا أضل من المشركين ولا ضلال أبعد من ضلال عملهم، فهذا حكم شرعي يوجب ترك الشرك فقال: وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا [النساء: ١١٦].

المسألة الثالثة: ومن حكمه الجزائي: إثابته لأوليائه الموحدين ونصرهم في الدنيا والآخرة، وحكمه بنقيض ذلك على المشركين:

فإن الله تعالى قد حكى عن إهلاكه للمشركين المكذبين للرسل وإنجائه لأوليائه الموحدين من الرسل وأتباعهم، وأبقى لنا وسائل لنتعرف على صدق ذلك بما نراه ونسمعه بطرق قطعية، ثم يذكر أن في ذلك آية، أي علامة على صحة استحقاقه للعبادة وأن عبادة غيره باطلة لا نفع فيها بل فيها ضرر.

فمن ذلك قول الله تعالى: وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ [العنكبوت: ٣٨] فقال تفصيلا عن ثمود: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النمل: ٤٥ - ٤٦] (إلى أن قال عنهم) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [النمل: ٥١ - ٥٣].

وقد قص الله عز وجل في سورة الشعراء قصص الرسل مع أقوامهم، وأنهم جاءوهم بالتوحيد، فيقع التكذيب من أكثر الناس، فينزل الله عليهم عذابه بسبب ذلك ويذكر إنجاءه للموحدين ثم يقول: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [الشعراء: ٨ - ٩] والآية: العلامة، أي علامة على صحة استحقاقه العبادة وبطلان عبادة غيره.

وهذا الذي ذكره الله من تعذيب المشركين به وإنجاء الموحدين كله في الدنيا.

وأما في الآخرة فالنصوص كثيرة جداً فمنها قول الله تعالى: إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة: ٧٢]. وقال تعالى: وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا [الإسراء: ٣٩] وفي الموحدين يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة)) (٣). منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله لخالد عبد اللطيف – ١/ ١٢٨


(١) ((تفسير الطبري)) (٩/ ٢٥٠).
(٢) ((تفسير الطبري)) (٢١/ ٤٧١).
(٣) رواه البخاري (١٢٩). من حديث أنس رضي الله عنه. ورواه مسلم (٩٣). من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>