للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الآيات كذلك قول الله تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ [الحج: ٧١] ومن الآيات كذلك قول الله تعالى: وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ [الزخرف: ٢٠ - ٢٣].

فهذه الآيات فيها بيان أن المشركين احتجوا بباطل من القول على زعمهم صحة عبادتهم غير الله، واستندوا في ذلك إلى أمرين، الأول بمشيئة الرحمن فكان بقاؤهم على الشرك – على زعمهم – مما يرضاه الله، وظنوا أن عدم أخذهم بالعذاب دليل على رضى الله عليهم – والأمر الثاني هو استنادهم على تقليد آبائهم وكل ذلك من الخرص والظن، فدل ذلك على بطلان عبادتهم غير الله، فلزم من هذا إفراد الله جل وعلا بالعبادة وحده لا شريك له.

ومن الآيات كذلك قول الله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [الأحقاف: ٤] فإن الله تعالى طالب المشركين في هذه الآية بالدليل السمعي والعقلي على صحة عبادتهم غير الله (١).

وهما حجتان قاطعتان وبرهانان ساطعان إن وجدا، وإلا، فإن الدليل العقلي يدل على أن الذي خلق هو الذي يعبد لا المخلوق المربوب ولذلك قال: أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ثم طالبهم بالدليل السمعي النقلي: اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ وكل ذلك للتعجيز – ولا يستطيعون إثبات شيء من ذلك – فدل على بطلان عبادتهم غير الله، وأن الواجب هو إفراد الله جل وعلا بالعبادة (٢).

ثم إن الله تعالى بين أنه سيسأل المشركين حجتهم يوم القيامة، ولن يجدوهم في وقت هم أشد حاجة لعذر يعتذرون به، فقال الله تعالى: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ [القصص: ٧٤ - ٧٥].

قال مجاهد في قوله: فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ قال: (حجتكم لما كنتم تعبدون وتقولون) (٣).

فعلم مما تقدم أن من الأدلة الدالة على وجوب إفراد الله تعالى بالعبادة والكفر بالطواغيت هو ما أقامه الله من الحجة على استحقاقه للعبادة، ثم بيانه فساد عمل المشركين باتباعهم للظن وعدم إقامتهم للحجة الساطعة على عبادة آلهتهم التي يعبدونها، وهذا النوع من الاستدلال هو من نوع الإبطال المستلزم لصحة نقيض ما أبطل، أي إذا بطلت عبادة غير الله بما تقدم من الأدلة الدالة على ضعف غير الله وعجزه، وبما ثبت من عدم نفع غيره، بل ثبت ضرره على عابده، كان نقيض هذا هو الحق، وهو ترك عبادة غير الله وإفراد الله وحده بالعبادة، إذ هو وحده المتصف بالصفات التي بها تستحق العبادة. منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله لخالد عبد اللطيف – ١/ ١٢٢


(١) انظر: ((الصواعق المرسلة)) (٢/ ٤٦٥).
(٢) انظر: ((تفسير الطبري)) (٢٢/ ٩٢).
(٣) رواه عنه الطبري في تفسيره (١٩/ ٦١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>