للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أيضا: (ثم العمل غير الإيمان، والإيمان غير العمل، بدليل أن كثيرا من الأوقات يرتفع العمل من المؤمن، ولا يجوز أن يقال: يرتفع عنه الإيمان، فإن الحائض ترتفع عنها الصلاة ولا يجوز أن يقال: يرتفع عنها الإيمان، أو أمر لها بترك الإيمان ... ) (١).

وقال الطحاوي في عقيدته المشهورة التي ذكر أنها عقيدة أبي حنيفة وصاحبيه رحمهم الله: (والإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان، وجميع ما صح عن رسول الله من الشرع والبيان كله حق. والإيمان واحد وأهله في أصله سواء، والتفاضل بينهم بالخشية والتقى ومخالفة الهوى وملازمة الأولى) (٢).

وقد عد أصحاب المقالات أبا حنيفة وأصحابه من المرجئة لإخراجهم العمل من مسمى الإيمان ونفيهم الزيادة والنقصان، واشتد إنكار السلف عليهم لذلك.

قال الأشعري في المقالات في عد فرق المرجئة: (والفرقة التاسعة من المرجئة: أبو حنيفة وأصحابه، يزعمون أن الإيمان المعرفة بالله، والإقرار بالله، والمعرفة بالرسول، والإقرار بما جاء من عند الله في الجملة دون التفسير) (٣).

وقال شيخ الإسلام: (والمرجئة الذين قالوا: الإيمان تصديق القلب وقول اللسان، والأعمال ليست منه، كان منهم طائفة من فقهاء الكوفة وعبادها، ولم يكن قولهم مثل قول جهم. فعرفوا أن الإنسان لا يكون مؤمنا إن لم يتكلم بالإيمان مع قدرته عليه، وعرفوا أن إبليس وفرعون وغيرهما كفار مع تصديق قلوبهم. لكنهم إذا لم يدخلوا أعمال القلوب في الإيمان لزمهم قول جهم، وإن أدخلوها في الإيمان لزمهم دخول أعمال الجوارح أيضا؛ فإنها لازمة لها. ولكن هؤلاء لهم حجج شرعية بسببها اشتبه الأمر عليهم) (٤).

وقال: (وأنكر حماد بن أبى سليمان ومن اتبعه تفاضل الإيمان ودخول الأعمال فيه والاستثناء فيه، وهؤلاء من مرجئة الفقهاء. وأما إبراهيم النخعي إمام أهل الكوفة شيخ حماد بن أبى سليمان وأمثاله، ومن قَبله من أصحاب ابن مسعود، كعلقمة والأسود، فكانوا من أشد الناس مخالفة للمرجئة، وكانوا يستثنون في الإيمان، لكن حماد بن أبى سليمان خالف سلفه، واتبعه من اتبعه، ودخل في هذا طوائف من أهل الكوفة ومن بعدهم. ثم إن السلف والأئمة اشتد إنكارهم على هؤلاء، وتبديعهم وتغليظ القول فيهم، ولم أعلم أحدا منهم نطق بتكفيرهم، بل هم متفقون على أنهم لا يكفرون في ذلك. وقد نص أحمد وغيره من الأئمة على عدم تكفير هؤلاء المرجئة. ومن نقل عن أحمد أو غيره من الأئمة تكفيرا لهؤلاء، أو جعل هؤلاء من أهل البدع المتنازع في تكفيرهم فقد غلط غلطا عظيما).

إلى أن قال: (وهؤلاء المعروفون مثل حماد بن أبى سليمان وأبي حنيفة وغيرهما من فقهاء الكوفة، كانوا يجعلون قول اللسان واعتقاد القلب من الإيمان، وهو قول أبى محمد بن كلاب وأمثاله، لم يختلف قولهم في ذلك، ولا نقل عنهم أنهم قالوا: الإيمان مجرد تصديق القلب) (٥).


(١) ((الوصية)) لأبي حنيفة، نقلاً عن ((شرح الفقه الأكبر)) (ص١٣٠).
(٢) ((شرح العقيدة الطحاوية)) (٣٣١).
(٣) ((مقالات الإسلاميين)) (١/ ٢١٩)، وانظر: ((الفصل)) لابن حزم (٣/ ٢٢٧)، ((الملل والنحل)) للشهرستاني (١/ ١٤٤)، ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٥٤٧).
(٤) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ١٩٤).
(٥) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٥٠٧) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>