للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: (والحزب الثاني (١) وافقوا أهل السنة على أنه لا يخلد في النار من أهل التوحيد أحد، ثم ظنوا أن هذا لا يكون إلا مع وجود كمال الإيمان؛ لاعتقادهم أن الإيمان لا يتبعض، فقالوا: كل فاسق فهو كامل الإيمان، وإيمان الخلق متماثل لا متفاضل، وإنما التفاضل في غير الإيمان من الأعمال. وقالوا: الأعمال ليست من الإيمان؛ لأن الله فرق بين الإيمان والأعمال في كتابه. ثم قال الفقهاء المعتبرون من أهل هذا القول: إن الإيمان هو تصديق القلب وقول اللسان، وهذا المنقول عن حماد بن أبى سليمان ومن وافقه كأبي حنيفة وغيره) (٢).

وحاصل ما عليه مرجئة الفقهاء هو ما يلي:

١ - أن الإيمان تصديق بالقلب وقول باللسان.

٢ - إخراج العمل الظاهر من مسمى الإيمان.

٣ - أن الإيمان لا يتبعض ولا يزيد ولا ينقص.

٤ - أن أهله متساوون في أصله، وأن التفاضل إنما يقع في غير الإيمان.

٥ - أنه لا يستثنى فيه.

٦ - أما أعمال القلوب، فظاهر كلامهم أنها ليست من الإيمان. وهو ظاهر ما نقله أصحاب المقالات عنهم أيضا. وقد سبق قول شيخ الإسلام عنهم: (لكنهم إذا لم يدخلوا أعمال القلوب في الإيمان لزمهم قول جهم، وإن أدخلوها في الإيمان لزمهم دخول أعمال الجوارح أيضا؛ فإنها لازمة لها).

وقال: (والمرجئة ثلاثة أصناف: الذين يقولون: الإيمان مجرد ما في القلب، ثم من هؤلاء من يدخل فيه أعمال القلوب، وهم أكثر فرق المرجئة، كما قد ذكر أبو الحسن الأشعري أقوالهم في كتابه، وذكر فرقا كثيرة يطول ذكرهم، لكن ذكرنا جمل أقوالهم. ومنهم من لا يدخلها في الإيمان كجهم ومن اتبعه كالصالحي، وهذا الذي نصره هو وأكثر أصحابه.

والقول الثاني: من يقول: هو مجرد قول اللسان، وهذا لا يعرف لأحد قبل الكرامية.

والثالث: تصديق القلب وقول اللسان، وهذا هو المشهور عن أهل الفقه والعبادة منهم. وهؤلاء غلطوا من وجوه: أحدها: ظنهم أن الإيمان الذي فرضه الله على العباد متماثل في حق العباد، وأن الإيمان الذي يجب على شخص يجب مثله على كل شخص) (٣).

إلى أن قال -بعد استطراد-: (الوجه الثاني من غلط المرجئة: ظنهم أن ما في القلب من الإيمان ليس إلا التصديق فقط دون أعمال القلوب كما تقدم عن جهمية المرجئة.

الثالث: ظنهم أن الإيمان الذي في القلب يكون تاما بدون شيء من الأعمال، ولهذا يجعلون الأعمال ثمرة الإيمان ومقتضاه بمنزلة السبب مع المسبب، ولا يجعلونها لازمة له، والتحقيق أن إيمان القلب التام يستلزم العمل الظاهر بحسبه لا محالة، ويمتنع أن يقوم بالقلب إيمان تام بدون عمل ظاهر) (٤).

فصرح بأن الجهمية يخرجون أعمال القلوب من الإيمان، وهذا يذكره في مواضع، أما مرجئة الفقهاء فتراه لا يجزم هنا بقولهم في هذه المسألة، لكنه قال في موضع آخر: (وعند الجهمية الإيمان مجرد تصديق القلب وعلمه، هذا قول جهم والصالحي والأشعري في المشهور عنه وأكثر أصحابه. وعند فقهاء المرجئة: هو قول اللسان مع تصديق القلب، وعلى القولين أعمال القلوب ليست من الإيمان عندهم كأعمال الجوارح، فيمكن أن يكون الرجل مصدقا بلسانه وقلبه مع كراهة ما نَّزل الله) (٥).

وقال أيضا: (ومن هنا غلطت الجهمية والمرجئة، فإنهم جعلوا الإيمان من باب القول: إما قول القلب الذي هو علمه، أو معنى غير العلم عند من يقول ذلك، وهذا قول الجهمية ومن تبعهم كأكثر الأشعرية، وبعض متأخري الحنفية. وإما قول القلب واللسان، كالقول المشهور عن المرجئة، ولم يجعلوا عمل القلب مثل حب الله ورسوله ومثل خوف الله من الإيمان، فغلطوا في هذا الأصل) (٦).

ومما يرجح أنهم لا يدخلون أعمال القلوب في الإيمان، ما قاله الطحاوي– وسبق نقله- أن الإيمان واحد وأهله في أصله سواء، والتفاضل بينهم بالخشية والتقى. ولا شك أن الخشية والتقى من أعمال القلوب، وقد دخلها التفاضل لأنها ليست من الإيمان.

وسبق أيضا قول شيخ الإسلام عنهم: (وإيمان الخلق متماثل لا متفاضل، وإنما التفاضل في غير الإيمان من الأعمال. وقالوا: الأعمال ليست من الإيمان).

فحيث أثبتوا التفاضل في أعمال القلوب، دل ذلك على أنها خارجة عن مسمى الإيمان عندهم. الإيمان عند السلف وعلاقته بالعمل وكشف شبهات المعاصرين لمحمد بن محمود آل خضير - ١/ ٢٧١


(١) أي: من القائلين بأن الإيمان لا يتبعض ولا يتفاضل. والحزب الأول هم الخوارج والمعتزلة.
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (١٨/ ٢٧١).
(٣) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ١٩٥) وما بعدها.
(٤) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٢٠٤).
(٥) ((منهاج السنة النبوية)) (٥/ ٢٨٨).
(٦) ((جامع المسائل)) لشيخ الإسلام ابن تيمية (٥/ ٢٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>