للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: إنما هي: ووصى ربك وبعضهم كان حذف المعوذتين، وهذا خطأ معلوم بالإجماع والنقل المتواتر، ومع هذا فلما لم يكن قد تواتر النقل عندهم بذلك لم يكفروا، وإن كان يكفر بذلك من قامت عليه الحجة بالنقل المتواتر .. ) (١).

إذاً العذر بالخطأ يعم المسائل العلمية والعملية، وليس في النصوص ما يدل على التفريق، لكن قد يقول قائل: إذا قلنا: إن المجتهد المخطئ في مسائل العقيدة يرفع عنه الإثم، فهل نقول أيضاً: إن المجتهد المخطئ يؤجر أجراً واحداً، كالمجتهد في أمور الأحكام والعمل؟ فيجاب عن ذلك، بأن النصوص الواردة، فيها رفع الإثم عن المجتهد المخطئ، وليس فيها ما يدل على أن كل مجتهد مخطئ يكون مأجوراً باستثناء قوله – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب .. )) الحديث (٢)، وهذا كما هو واضح من سياقه خاص بالحاكم أي القاضي، ومثله المفتي، وقد أشار شيخ الإسلام إلى شيء من هذا المعنى حيث قال: ( .. وكذلك كل من عبد عبادة نهى عنها ولم يعلم بالنهي – لكن هي من جنس المأمور به – مثل من صلى في أوقات النهي، وبلغه الأمر العام بالصلاة ولم يبلغه النهي، أو تمسك بدليل خاص مرجوح، مثل صلاة جماعة من السلف ركعتين بعد العصر، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم- صلاهما بخلاف ما لم يشرع جنسه مثل الشرك، فإن هذا لا ثواب فيه، وإن كان لا يعاقب صاحبه إلا بعد بلوغ الرسالة كما قال تعالى: وَمَا كُنا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:١٥]. فالعقاب عليها مشروط بتبليغ الرسالة، وأما بطلانها في نفسها فلأنها غير مأمور بها، فكل عبادة غير مأمور بها فلابد أن ينهى عنها، ثم إن علم أنها منهي عنها استحق العقاب، فإن لم يعلم لم يستحق العقاب، وإن اعتقد أنها مأمور بها وكانت من جنس المشروع فإنه لم يعلم لم يستحق العقاب، وإن اعتقد أنها مأمور بها وكانت من جنس المشروع فإنه يثاب عليها، وإن كانت من جنس الشرك فهذا الجنس ليس فيه شيء مأمور به، لكن قد يحسب بعض الناس في بعض أنواعه أنه مأمور به) (٣).

فشيخ الإسلام – فيما يبدو – استند في كلامه هذا إلى القاعدة المعروفة في أن العمل لا يقبل إلا إذا كان خالصاً أريد به وجه الله، صواباً بما شرع الله، فلما لم يشرع جنسه غالباً يكون في أمور العقيدة كصور الشرك ونحوها من البدع الحقيقية التي يكثر وجودها لدى الفرق المشهورة، أما الاجتهاد الخاطئ فيما شرع جنسه فغالباً يكون في مسائل الاجتهاد من أمور التعبد ونحوها. نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبدالله بن علي الوهيبي– ١/ ٣٠٤


(١) ((مجموع الفتاوى)) (١٢/ ٤٩٢، ٤٩٣)، وانظر أمثلة أخرى، ((الفتاوي)) (٢٠/ ٣٣ - ٣٦)، (٣/ ٢٢٩،٢٣٠).
(٢) رواه البخاري (٧٣٥٢)، ومسلم (١٧١٦). من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه.
(٣) ((مجموع الفتاوى)) (٢٠/ ٣١ - ٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>