للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صنع إليه معروف، فقال لفاعله: جزاك الله خيراً، فقد أبلغ في الثناء)) (١).

وهذا لا يعني أن ينسى العبد المعطي الأول، (لأن النعم كلها لله تعالى، وكما قال تعالى: وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ [النحل: ٥٣]، وقال تعالى: كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ [الإسراء: ٢٠]؛ فالله سبحانه هو المعطي على الحقيقة، فإنه هو الذي خلق الأرزاق وقدرها، وساقها إلى من يشاء من عباده؛ فالمعطي هو الذي أعطاه، وحرك قلبه لعطاء غيره، فهو الأول والآخر) (٢).

فمن سلك هذا المسلك العظيم استراح من عبودية الخلق ونظره إليهم، وأراح الناس من لومه وذمه إياهم، وتجرد التوحيد في قلبه، فقوي إيمانه وانشرح صدره، وتنور قلبه، ومن توكل على الله فهو حسبه (٣).

رابعاً: ينبغي على العبد (أن يتدبر نعم الله عليه، ويستبصر فيها، ويقيسها بحال عدمها. فإنه إذا وازن بين حالة وجودها، وبين حالة عدمها، تنبه عقله لموضع المنة. بخلاف من جرى مع العوائد، ورأى أن هذا أمر لم يزل مستمراً، ولا يزال. وعمي قلبه عن الثناء على الله، بنعمه، ورؤية افتقاره إليه في كل وقت. فإن هذا لا يحدث له فكرة شكر) (٤).

وإن خصلة تكون لها كل هذه القيمة، وتكون فيها كل هذه الفائدة، لحقيق أن يتمسك بها من غير إغفال بحال.

(اللهم إنا نشكرك على كل نعمة أنعمت بها علينا مما لا يعلمه إلا أنت، ومما علمناه، شكراً لا يحيط به حصر ولا يحصره عد، وعدد ما شكرك الشاكرون بكل لسان في كل زمان) (٥).

فائدة مهمة: يشرع سجود الشكر عند النعم المتجددة، (شكراً لله عليها، وخضوعاً له، وذلاً، في مقابلة فرحة النعم, وانبساط النفس لها، وذلك من أكبر أدوائها، فإن الله سبحانه لا يحب الفرحين ولا الأشرين، فكان دواء هذا الداء الخضوع والذل والانكسار لرب العالمين، وكان في سجود الشكر من تحصيل هذا المقصود ما ليس في غيره) (٦).

عن أبي بكرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا جاءه أمر سرور، أو بشر به، خر ساجداً شاكراً لله. (٧) الأسماء الحسنى والصفات العلى لعبد الهادي بن حسن وهبي – ص: ١٧٨


(١) رواه الترمذي (٢٠٣٥)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٦/ ٥٣) (١٠٠٠٨)، وابن حبان (٨/ ٢٠٢) (٣٤١٣). قال الترمذي: حسن جيد غريب، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (٣/ ٢٢٢) كما قال ذلك في المقدمة، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (١/ ٩٢).
(٣) ((مجموع الفتاوى)) (١/ ٩٣).
(٤) ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: ٨٧٢).
(٥) ((فتح البيان)) (٧/ ١٢٠).
(٦) ((إعلام الموقعين)) (٢/ ٤٤٩).
(٧) رواه أبو داود (٢٧٧٤). وسكت عنه، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).

<<  <  ج: ص:  >  >>