للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثاً: على العبد أن يشكر من أجرى الله سبحانه النعمة على يده، قال الله تعالى: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المَصِيرُ [لقمان: ١٤]، فأمر بشكره ثم بشكر الوالدين إذ كانا سبب وجوده في الدنيا، وسهرا وتعبا في تربيته وتغذيته، فيحسن إليهم بالقول الكريم، والخطاب اللطيف، والفعل الجميل، والتواضع لهما، وإكرامهما، وإجلالهما، والقيام بمؤونتهما، واجتناب الإساءة إليهما من كل وجه، بالقول والفعل. فمن عقهما أو أساء إليهما فما شكرهما على صنيعهما، بل جحد أفضالهما عليه، ومن لم يشكرهما فإنه لم يشكر الله الذي أجرى تلك النعم على أيديهما، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يشكر الله، من لا يشكر الناس)) (١).

أي: من كان من طبعه كفران نعمة الناس، وترك الشكر لمعروفهم فلن يكون شاكراً لله، ولا يوفق لذلك، ومن عجز عن القليل عجز عن الكثير من باب أولى، وقد قال الله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا [النحل: ١٨]، فكيف يؤدي العاجز شكر هذه النعم التي لا تحصى؟! إذا لم يؤد القليل (٢).

فلابد من مكافأة المحسن وشكره على صنيعه.

عن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي رضي الله عنه. أن النبي صلى الله عليه وسلم استلف منه – حين غزا حنيناً – ثلاثين أو أربعين ألفاً، فلما قدم قضاها إياه؛ ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((بارك الله لك في أهلك ومالك؛ إنما جزاء السلف الوفاء والحمد)) (٣).

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له، حتى تروا أنكم قد كافأتموه)) (٤).

قوله: ((من صنع إليكم معروفاً فكافئوه)) بأن أعطاك شيئا من المال، أو أكرمك، أو أعانك على شيء تحتاج إليه، هذا معروف؛ لأنه غير واجب عليه، وإنما بذله معروفاً وإحساناً.

قوله: (فكافئوه) بأن تصنع إليه معروفاً مثل معروفه، من باب المكافئة، فالمؤمن يكون كريماً يكافئ على المعروف ولا يجحده ولا ينكره، بل يكافئ عليه، والله تعالى يقول: هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ [الرحمن: ٦٠]؛ فإذا لم تجد شيئاً تكافئه به عن معروفه، فعليك بالدعاء له (فادعوا له)، فادعوا الله له بالخير على معروفه وإحسانه إليك (٥).


(١) رواه أبو داود (٤٨١١)، وأحمد (٢/ ٢٩٥) (٧٩٢٦)، وابن حبان (٨/ ١٩٨) (٣٤٠٧)، وأبو نعيم فى ((حلية الأولياء)) (٧/ ١٦٥)، والبيهقي (٦/ ١٨٢) (١١٨١٢). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود، وصححه ابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (١١٧)، وقال ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (١/ ٣٣٠): إسناده صحيح، وقال السفاريني الحنبلي في ((شرح كتاب الشهاب)) (١٤٧): له طرق يقوي بعضها بعضا.
(٢) ((شرح صحيح الأدب المفرد)) (١/ ٢٥٥).
(٣) رواه ابن ماجه (١٩٨٣)، وأحمد (٤/ ٣٦) (١٦٤٥٧)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (٧/ ١١١٩). وحسنه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).
(٤) رواه أبو داود (١٦٧٢)، والنسائي (٥/ ٨٢)، وأحمد (٢/ ٦٨) (٥٣٦٥)، وابن حبان (٨/ ١٩٩) (٣٤٠٨)، والحاكم (١/ ٥٧٢). والحديث سكت عنه أبو داود، وصححه النووي في ((المجموع)) (٦/ ٢٤٥)، وقال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (إسناده صحيح).
(٥) ((تسهيل الإلمام بفقه الأحاديث من بلوغ المرام)) (٦/ ١٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>