للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوه الانتفاع في الرزق في قوله: ((يقول ابن آدم مالي مالي!! وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت، وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس)) (١).

وفي معنى اللباس يدخل المركوب وغير ذلك مما ينتفع به الإنسان، والقوت رزق مخصوص، وهو المضمون من الرزق الذي لا يقطعه عجز، ولا يجلبه كيس، وهو الذي أراد تعالى بقوله: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا [هود: ٦]، فلا ينقطع هذا الرزق إلا بانقطاع الحياة (٢).

٤) وكل ذلك بلا ثقل ولا كلفة ولا مشقة، قال الطحاوي رحمه الله: رازق بلا مؤنة. اهـ (٣). بل لو سألوه جميعاً فأعطاهم لم ينقص ذلك من ملكه شيئاً، كما جاء في قوله تعالى في الحديث القدسي ((يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر)) (٤).

٥) أن الله سبحانه لم يختص برزقه من آمن في الحياة الدنيا، وإنما كان الرزق في الدنيا للجميع، للمؤمنين والكافرين، وهذا من عظيم لطفه سبحانه كما قال اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ القَوِيُّ العَزِيزُ [الشُّورى: ١٩].

وعن أبي موسى الأشعري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يدعون له الولد، ثم يعافيهم ويرزقهم)) (٥).

ومعناه أن الله سبحانه واسع الحلم حتى مع الكافر الذي ينسب له الولد فهو يعافيه ويرزقه.

٦) أن الله سبحانه متحكم في أرزاق عباده فيجعل من يشاء غنيا كثير الرزق، ويقتر على آخرين، وله في ذلك حكم بالغة. قال تعالى وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ [النحل: ٧١]، وقال سبحانه إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا [الإسراء: ٣٠].

قال ابن كثير: أي خبير بصير بمن يستحق الغنى ومن يستحق الفقر (٦) فمن العباد من لا يصلح حاله إلا بالغنى فإن أصابه الفقر فسد حاله ومنهم العكس إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا، وقال ابن كثير في معنى قوله تعالى وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ [الشُّورى: ٢٧]: ولو أعطاهم فوق حاجتهم من الرزق لحملهم ذلك على البغي والطغيان من بعضهم على بعض أشراً وبطراً، ثم قال تعالى وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ وهذا كقوله سبحانه وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [الحجر: ٢١].

٧) كثرة الرزق في الدنيا لا تدل على محبة الله تعالى، ولكن الكفار لجهلهم ظنوا ذلك، قال تعالى عنهم وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ [سبأ: ٣٥ - ٣٧].


(١) رواه مسلم (٢٩٥٨). من حديث عبدالله بن الشخير رضي الله عنه.
(٢) ((الكتاب الأسنى)).
(٣) ((العقيدة الطحاوية)) (ص: ١٢٥).
(٤) رواه مسلم (٢٥٧٧). من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه.
(٥) رواه البخاري (٧٣٧٨). من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(٦) ((تفسير ابن كثير)) (٣/ ٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>