للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فظن الكفار والمترفون أن كثرة الأموال والأولاد دليل على محبة الله لهم واعتنائه بهم، وأنه ما كان ليعطيهم هذا في الدنيا ثم يعذبهم في الآخرة، وقد رد الله هذا بقوله أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ [المؤمنون: ٥٦].

ثم قال تعالى: وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى أي ليست كثرة الأموال والأولاد، هي التي تقرب من الله أو تبعد إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا أي إنما يقرب من الله الإيمان به، وعمل البر والصالحات. وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم)) (١) وفي رواية ((ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)) (٢).

وبين تعالى أنهم يرضون بالحياة الدنيا وأرزاقها ويطمئنون إليها ويفرحون بها لأنهم لا يرجون بعثاً ولا حساباً، غافلين عن الآخرة وأهوالها. قال سبحانه إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [يونس: ٧ - ٨] وقال سبحانه اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ [الرعد: ٢٦].

ولم يعملوا أن الدنيا عند الله لا تزن شيئا كما جاء في حديث سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء)) (٣).

ولذلك فإن الله يعطيها لمن يحب ولمن لا يحب فليس كثرة الرزق دليل على الكرامة ولا قلته دليل على الإهانة فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كَلاَّ [الفجر: ١٥ - ١٦].

وقوله سبحانه في آخر آية الرعد السابقة وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ دليل على قصر عمر الدنيا وقلة خطرها بالنسبة للآخرة كما قال صلى الله عليه وسلم: ((وما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع)) (٤).

٨) إن تقوى وطاعته سبب عظيم للرزق والبركة فيه. قال سبحانه عن أهل الكتاب وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم [المائدة: ٦٦].

وقال وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الأعراف: ٩٦].

وقال جل شأنه وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطَّلاق: ٢ - ٣] أي من جهة لا تخطر بباله، وقال سبحانه وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا [الجنّ: ١٦].


(١) رواه مسلم (٢٥٦٤). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) رواه مسلم (٤٦٥١). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) رواه الترمذي (٢٣٢٠) واللفظ له، وابن ماجه (٣٣٣٤)، والحاكم (٤/ ٣٤١). قال الترمذي: صحيح غريب من هذا الوجه، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(٤) رواه مسلم (٢٨٥٨). من حديث المستورد بن شداد رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>