للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ - وأما صرف الجمهور لقوله تعالى: إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ عن ظاهره بأنه كان من حي من أحياء الملائكة خلقوا من نار السموم، فلم يثبت لنا أن من الملائكة من خلق من النار، بل ورد ما يناقض ذلك في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها من أن الملائكة خلقت من نور, وخلق الجان من مارج من نار.

وما ذكره البيضاوي في تفسيره من أن المراد بالنور الجوهر المضيء والنار كذلك – غير أن ضوءها مكدر مغمور بالدخان، محذور عنه بسبب ما يصحبه من فرط الحرارة والإحراق، فإذا صارت مهذبة مصفاة كانت محض نور، ومتى نكصت عادت الحالة الأولى جذعة، ولا تزال تتزايد حتى ينطفئ نورها ويبقى الدخان الصرف – غير مسلم به، إذ الفرق بين النار والنور أشمل من ذلك، فليس شرطاً أن يكون كل جسم مضيء محرقاً كما أسلفنا.

وما زعمه الشيخ محمد عبده من أنه ليس هناك ثمة دليل يفرق بين الملائكة والجن تفريقاً جوهرياً، وإنما هو اختلاف أصناف عندما تختلف أوصاف, فترده الأدلة من القرآن والسنة، فالفرق بينهما واضح في أصل المادة التي خلق كل واحد منهما منها، وفي صفات كل منهما كذلك كما تقدم.

وعدم ورود آية في القرآن تدل على المادة التي خلقت منها الملائكة لا يعتبر مسوغاً لاعتبار إبليس واحداً من الملائكة، اعتماداً على الآيات التي تستثني إبليس منهم.

٦ - وأما ما أجاب به القائلون بأن إبليس من الملائكة على قوله تعالى: إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ بما ورد من روايات عن بعض السلف كابن عباس وغيره – بما تقدم – فيجيب على ذلك الشيخ الشنقيطي حيث يقول:

(وما يذكره المفسرون عن جماعة من السلف كابن عباس وغيره – من أنه (أي إبليس) كان من أشراف الملائكة, ومن خزان الجنة، وأنه كان يدبر أمر السماء الدنيا، وأن اسمه عزازيل – كله من الإسرائيليات التي لا معول عليها) (١).

وذكر ابن كثير رواية عن ابن جرير الطبري بإسناده عن ابن عباس أن إبليس كان من حي من أحياء الملائكة خلقوا من نار السموم يسمون جِنًّا في أثر طويل، قال ابن كثير تعليقاً عليها: (وهذا سياق غريب، وفيه أشياء فيها نظر يطول مناقشتها) (٢).

وذكر الفخر الرازي أن تعليل الجمهور لقوله تعالى: كَانَ مِنَ الْجِنِّ بأنه – أي إبليس – كان خازناً للجنة تعليل غير جائز، لأن قوله: كَانَ مِنَ الْجِنِّ يشعر بتعليل تركه للسجود لكونه جنياً، ولا يمكن تعليل ترك السجود بكونه خازناً للجنة (٣).

ومن ذكر أن معنى قوله: كَانَ مِنَ الْجِنِّ يحتمل أن يكون بمعنى صار، فقد قال الفخر الرازي أيضاً: (هذا خلاف الظاهر، ولا يصار إليه إلا عند الضرورة) (٤) وذكر ابن فورك أن هذا مما ترده الأصول (٥) .. عالم الجن في ضوء الكتاب والسنة لعبد الكريم عبيدات - ص٤٨٦


(١) ((أضواء البيان)) (٤/ ١٢١).
(٢) ((تفسير ابن كثير)) (١/ ٧٦).
(٣) ((التفسير الكبير)) (٢/ ٢١٤).
(٤) ((التفسير الكبير)) (٢/ ٢١٤).
(٥) ((تفسير روح المعاني)) (١/ ٢١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>