للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول في موضع آخر: (إن لفظ التأويل في القرآن يراد به ما يؤول الأمر إليه, وإن كان موافقاً لمدلول اللفظ ومفهومه في الظاهر, ويراد به تفسير الكلام وبيان معناه وإن كان موافقاً له, وهو اصطلاح المفسرين المتقدمين؛ كمجاهد وغيره، ويراد به صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح، لدليل يقترن بذلك, وتخصيص لفظ التأويل بهذا المعنى إنما يوجد في كلام بعض المتأخرين فأما الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين كالأئمة الأربعة وغيرهم فلا يخصون لفظ التأويل بهذه المعنى، بل يريدون بالتأويل المعنى الأول والثاني) (١).

- أما التأويل الباطل الذي قالت به فرق الابتداع فهو (صرف اللفظ عن مفهومه إلى غير مفهومه، فهذا لم يكن هو المراد بلفظ التأويل في كلام السلف، وكان السلف ينكرون التأويلات التي تخرج الكلام عن مراد الله ورسوله التي هي من نوع تحريف الكلم عن مواضعه, فكانوا ينكرون التأويل الباطل الذي هو التفسير الباطل) (٢).

ويقول ابن القيم – رحمه الله –: (وأما المعتزلة والجهمية وغيرهم من فرق المتكلمين فمرادهم بالتأويل صرف اللفظ عن ظاهره وهذا هو الشائع في عرف المتأخرين من أهل الأصول، والفقه، ولهذا يقولون: التأويل على خلاف الأصل، والتأويل يحتاج إلى دليل وهذا التأويل هو الذي صنف في تسويغه وإبطاله من الجانبين, فصنف جماعة في تأويل آيات الصفات وأخبارها كأبي بكر بن فورك- ت ٤٠٦هـ -، وابن مهدي الطبري -٣٨٠هـ - وغيرهما, وعارضهم آخرون فصنفوا في إبطال تلك التأويلات كالقاضي أبي يعلي- ت ٤٥٤٨ - ، والشيخ موفق الدين بن قدامة- ت٦٢٠ - ، وهو الذي حكى عن غير واحد إجماع السلف على عدم القول به) (٣).

- وإذا كانت فرق الابتداع على مختلف مشاربها لم تنسب القول بالتأويل فيما أعلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه الكرام فإن ببعض المعاصرين تجرأوا بدافع التعصب إلى مذاهبهم فنسبوا ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم, وصحابته الكرام, حيث يقول ابن خليفة عليوي: (سنجعل قدوتنا في التأويل رسول الله وصحابته الكرام, والتابعين ومن سار على هديهم من أئمة الإسلام الأعلام إلى يوم الدين!! ويقال هنا: هل الرسول صلى الله عليه وسلم أول الاستواء على العرش أم لا، وإذا كان عليه الصلاة والسلام، قد أول أعسر كلمة يمكن أن يستعصي فهمها على الأمة فيكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد أشار إلى أمته باقتفاء أثره بتأويل كل ما يوهم ظاهره التجسيم!! والسؤال هنا هل يوجد دليل على ما قلته: نعم، ها هو الدليل – جاء في كتاب العلو للذهبي – حديث سمعناه من أحمد بن هبة الله عن أبي رزين العقيلي، قال: قلت يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض، قال: ((كان في عماء، ما فوقه هواء، وما تحته هواء ثم خلق العرش، ثم استولى عليه)) (٤).

فأنت ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوَّل قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:٥] بقوله: ثم استولى عليه، وبذا يكون المؤولون قد اقتفوا أثر الرسول صلى الله عليه وسلم بصرف كل لفظ عن ظاهره يفهم منه التجسيم إلى لفظ آخر يفني عنه ذلك، وسواء أكان الحديث صحيحاً أم ضعيفاً فلا أقل من أن يحمل على التفسير، وحينئذ لا يخرج عن التأويل) (٥).


(١) ((درء تعارض العقل والنقل)) (١/ ١٤).
(٢) ((الصفدية)) لابن تيمية (١/ ٢٩١).
(٣) ((الصواعق المرسلة)) (١/ ١٧٩).
(٤) رواه الذهبي في (العلو) (٢٦). وقال: رواه الترمذي وابن ماجه، وإسناده حسن.
(٥) ((هذه عقيدة السلف والخلف)) (ص:٨٧) لابن خليفة عليوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>