للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ينسب القول بالتأويل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فيقول: (فإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام، قد فسر الاستواء بالاستيلاء؛ فهذا هو التأويل بعينه، وقد علمت أن السلف الصالح وعلى رأسهم حبر هذه الأمة عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قد أول كثيراً من الصفات، وهو أحق بالتأويل من كافة الأمة، لاختصاصه به بفضل دعاء الرسول له بالتأويل بقوله: ((اللهم علمه الحكمة)) (١)، ((اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)) (٢)

وبذا يعلم أن التأويل ليس مذموماً، إذ لو كان كذلك لم دعا الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس به، ومن أجل هذا رأت الأمة اقتفاء أثر السلف الصالح في التأويل في كل لفظ يوهم ظاهره التجسيم) (٣)

أما حسن السقاف – محقق كتاب دفع شبه التشبيه، لابن الجوزي- فيقول: (أوّل ابن عباس قوله – تعالى - يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ [القلم:٤٢]، فقال: يكشف عن شدة، فأول الساق بالشدة ذكر ذلك الحافظ بن حجر في فتح الباري ١٣/ ٤٢٨، والحافظ بن جرير الطبري في تفسيره، حيث قال في صدر كلامه على هذه الآية: قال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل: يبدو عن أمر شديد قلت: - أي السقاف -: ومنه يتضح أن التأويل كان عند الصحبة والتابعين وهم سلفنا الصالح) (٤)

- وللرد على هذه الأباطيل نقول أولاً: مما يؤسف له أن المتأخرين قد بلغت بهم الجرأة على قول ما لم يقله أسلافهم الأوائل، فإن الأوائل كانوا يقرون في أنفسهم أن التأويل هم الذين قالوا به, ولم ينسبوه فيما أعلم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أو صحابته الكرام، وذلك بسبب تقاصر أفهامهم عن مستوى الصحابة والتابعين في اليقين والفهم, ولعدم سعة صدورهم وعقولهم لتقبل الوحي الرباني بنصوصه الواضحة السهلة الميسرة.

ولكن المتأخرين عندما شاهدوا الصحوة الإسلامية تتلمس طريق السلف وتأخذ بمعتقدهم الحق والسهل طارت عقولهم، فخافوا على هذا البناء الهش الذي أقامه المتكلمون أن ينهار، فقامت بطرح هذه الدعاوى الباطلة المزيفة.

ثانياً: ومما يبين أن القوم فقدوا صوابهم أن عليوي قد زور الحديث، وزاد فيه من عنده؛ ليوافق مذهبه الباطل في التأويل فإن الحديث هذا هو لفظه: قال أبو رزين العقيلي قلت: ((يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض؟ قال: كان في عماء, ما تحته هواء, وما فوقه هواء, ثم خلق عرشه على الماء)) (٥) وفي رواية للإمام أحمد ((ثم خلق العرش ثم استوى عليه – تبارك وتعالى)).

فلا يوجد في الحديث ما زعمه زوراً وبهتاناً عن أكذوبة الاستيلاء.


(١) رواه البخاري (٣٧٥٦).
(٢) رواه البخاري (١٤٣) دون لفظ: ((وعلمه التأويل))، وأحمد (١/ ٢٦٦) (٢٣٩٧)، وابن حبان (١٥/ ٥٣١) (٧٠٥٥)، والحاكم (٣/ ٦١٥). وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (٨/ ٣٠٠): منهم من أرسله والمتصل هو الصحيح، وقال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (٣/ ٢٩): متفق عليه دون قوله: ((وعلمه التأويل))، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٩/ ٢٧٩): لأحمد طريقان رجالهما رجال الصحيح.
(٣) ((هذه عقيدة السلف والخلف)) (ص:٨٠) لابن خليفة عليوي.
(٤) ((دفع التشبيه بأكف التنزيه)) (ص: ١١) لابن الجوزي.
(٥) رواه الترمذي (٣١٠٩)، وابن ماجه (١٨٢)، وأحمد (٤/ ١١) (١٦٢٣٣)، وابن حبان (١٤/ ٨) (٦١٤١). قال الترمذي: هذا حديث حسن، وقال الذهبي في (العلو) (٢٦): رواه الترمذي وابن ماجه، وإسناده حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>