للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثاً: زعم عليوي أن هذا الحديث في كتاب العلو للذهبي – رحمه الله- وقد بحثت عن الحديث في المطبوعة التي حققها فضيلة الشيخ الألباني، فلم أجد هذا الحديث فضلاً عن الزيادة التي أضافها من عنده ولا حول ولا قوة إلا بالله.

رابعاً: زعم عليوي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لابن عباس بأن يعلمه التأويل، ونحن نرى أن التأويل هو التفسير وليس التأويل الذي ذهب إليه المبتدعة، مع أن روايتي البخاري ومسلم ليس فيهما أي إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له بأن يعلمه التأويل, فعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم ((دخل الخلاء, فوضعت له وضوءاً, وقال من وضع هذا؟ فأخبر, فقال: اللهم, فقهه في الدين)) (١).

خامساً: أما ما ذكره السقاف من تأويل ابن عباس للساق، فهذا ليس من التأويل المبتدع الذي قالت به فرق الابتداع, فإن هذه الآية قد اختلف السلف في تفسيرها, وليس هناك بينهم أي خلاف بإثبات الصفة نفسها حيث يبطل شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الزعم بهذه الشهادة العظيمة فيقول: (إن جميع ما في القرآن من آيات الصفات، فليس عن الصحابة اختلاف في تأويلها، وقد طالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة، وما ورد في الحديث ووقفت من ذلك ما شاء الله تعالى من الكتب الكبار والصغار أكثر من مئة تفسير، فلم أجد إلى ساعتي هذه عن أحد من الصحابة أنه تأول شيئاً من آيات الصفات، أو أحاديث الصفات, بخلاف مقتضاها المفهوم المعروف, بل إن عنهم في تقرير ذلك وتثبيته وبيان ذلك من صفات الله ما يخالف كلام المتأولين ما لا يحصيه إلا الله, وكذلك فيما يذكرونه آثرين وذاكرين عنهم شيء كثير, وتمام هذا أني لم أجدهم تنازعوا إلا في مثل قوله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ [القلم:٤٢] , فروى ابن عباس وطائفة أن المراد به الشدة: أن الله يكشف عن الشدة في الآخرة, وعن أبي سعيد وطائفة أنهم عدُّوها من الصفات, للحديث الذي رواه أبو سعيد في الصحيحين, ولا ريب أن ظاهر القرآن لا يدل على أن هذه من الصفات فإنه قال: يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ نكرة في الإثبات لم يضفها إلى الله، ولم يقل عن ساقه، فمع التعريف بالإضافة لا يظهر أنه من الصفات إلا بدليل آخر، ومثل هذا ليس بتأويل صرف الآية عن مدلولها ومفهومها المعروف) (٢).

وقال القاضي أبو يعلى: (ودليل آخر على إبطال التأويل أن الصحابة ومن بعدهم من التابعين حملوها على ظاهرها، ولم يتعرضوا لتأويلها، ولا صرفها عن ظاهرها، فلو كان التأويل سائغاً، لكانوا أسبق إليه لما فيه من إزالة التشبيه، ورفع الشبه، بل قد روي عنهم ما دل على إبطاله) (٣).

وقال المقريزي رحمه الله مفصلاً مذهب الصحابة والتابعين في الصفات: (إنه لم يرد قط من طريق صحيح، ولا سقيم عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم على اختلاف طبقاتهم، وكثرة عددهم أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى شيء مما وصف الرب سبحانه به نفسه الكريمة في القرآن الكريم وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم, بل كلهم فهموا معنى ذلك وسكتوا عن الكلام في الصفات, نعم، ولا فرق أحد منهم بين كونها صفة ذات، أو صفة فعل، وإنما أثبتوا له تعالى صفات أزلية من العلم, والقدرة, والعظمة، وساقوا الكلام واحداً، وهكذا أثبتوا، رضي الله عنهم ما أطلقه الله عز وجل، على نفسه الكريمة من الوجه واليد، ونحو ذلك مع نفي مماثلة المخلوقين فأثبتوا رضي الله عنهم بلا تشبيه, ونزهوا من غير تعطيل, ولم يتعرض مع ذلك أحد منهم إلى تأويل شيء من هذا، ورأوا بأجمعهم إجراء الصفات كما وردت، ولم يكن عند أحد منهم شيء من الطرق الكلامية, ولا مسائل الفلسفة, فقضى عصر الصحابة رضي الله عنهم على هذا) (٤).

وهكذا تسقط دعوى المبطلين الذين راموا تسويق بضاعتهم المزجاة، عن طريق نسبة مبتدعاتهم إلى خير الله بعد الأنبياء والرسل، فلم يكن لهم حاجة رضوان الله عليهم إلى التأويل أو غيره، فهم الذين نزل القرآن وهم أحياء يسمعونه من رسول الله غضًّا طريًّا، وعاصروا أحداثه التي قيلت فيها آيات القرآن كلها، وصفات ربهم سبحانه كانوا لتوقيرها, والإيمان بها, والتعبد بها أعظم, وأجل، ولو أشكل عليهم شيء مما قاله المبلطون؛ لسألوا ولأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم الذي كانت أعظم مهماته تعريفهم بربهم المعبود بوحدانيته، وأسمائه, وصفاته. العقيدة الإسلامية وجهود علماء السلف في تقريرها لعطاء الله بخيت المعايطة - ص: ١٩٣


(١) رواه البخاري (١٤٣)، ومسلم (٢٤٧٧).
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٣٩٤)
(٣) أبو يعلى ((إبطال التأويلات لأخبار الصفات)) (ص:٧١) ت محمد النجدي ط١، الكويت
(٤) ((المواعظ والاعتبار)) للمقريزي (٢/ ٣٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>