للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال قتادة: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ يقول: قرآن كريم (١). فالقرآن مجيد أي شريف كريم عظيم، ولا غرابة في ذلك فإنه كلام الله المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

ومن مجد القرآن وشرفه أنه لا يمكن للجن والأنس أن يأتوا بمثله، بل بسورة منه، قال تعالى قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء: ٨٨].

وهذا يتجلى لنا في جوانب عديدة:

منها، أنه لا يمكن للجن والإنس أن يأتوا بمثل ما فيه من التشريعات من أمر ونهي، وحلال وحرام، وما فيه من العبادات الدينية والمعاملات الدنيوية، فهذا من أعظم إعجازه.

ومنها أن بلاغته وفصاحته، وروعته وبهاؤه، وحسن تراكيبه وأسلوبه، وأخذه بالنفوس كله مما لا يضاهي.

ومنها كثرة فوائده التي لا تنقضي، ولا يشبع منها العلماء على مر الدهور والعصور.

ومن شرفه ورفعته، أن الله سبحانه حفظه وصانه من كيد الكفار والمنافقين، ومن الحاقدين على هذا الدين، حفظه من أن يبدلوه أو أن يحرفوه، أو أن يزيدوا فيه أو ينقصوه، قال سبحانه إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: ٩].

ومن عظمة هذا الكتاب ومجده، أن الله يرفع به من عمل به واتخذه دينا ومنهاجاً، ويخفض به ويذل من تركه وراء ظهره، ورأى أن العمل به رجعية وتخلف وجمود.

ففي صحيح مسلم عن عامر بن واثلة أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان، وكان عمر يستعمله على مكة، فقال: من استعملت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزي، قال: ومن ابن أبزي؟ قال: مولى من موالينا، قال: فاستخلف عليهم مولى؟! قال: إنه قارئ لكتاب الله عز وجل، وإنه عالم بالفرائض، قال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: ((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين)) (٢).

فقد رفع الله تعالى هذا المولى لحفظه لكتابه وعلمه به مع انحطاط نسبه وشرفه على غيره من أهل مكة أهل الشرف والنسب.

وهكذا الجد والرفعة في الدرجات في الآخرة، فإنما هي لمن أخذ بهذا الكتاب، وعمل به، والذل والمهانة والدركات لمن تركه وأعرض عنه النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى لمحمد بن حمد الحمود– ص: ٤١٥


(١) رواه الطبري في تفسيره (٢٤/ ٣٤٧).
(٢) رواه مسلم (٨١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>