للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - أن إبليس كان من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن، خلقوا من نار السموم، وخلقت الملائكة من نور، غير هذا الحي، وكان من خزان الجنة، وكان رئيس ملائكة السماء الدنيا، وكان له سلطانها وسلطان الأرض، وكان اسمه قبل أن يركب المعصية عزازيل، وكان من أشد الملائكة اجتهاداً وعلماً، وكان يسوس ما بين السماء والأرض، فرأى لنفسه بذلك شرفاً عظيماً، فذلك الذي دعاه إلى الكفر فعصى، فمسخه الله شيطاناً رجيماً.

وبهذا قال ابن عباس وجماعة من الصحابة (١).

٢ - أنه لو لم يكن من الملائكة لم يؤمر بالسجود، ولو لم يتوجه إليه الأمر بالسجود لم يكن عاصياً، ولما استحق الخزي والنكال، كما ورد ذلك في القرآن، قال: قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ [الأعراف: ١٢]. فقد دلت الآية على أنه أمر بالسجود، والأمر بالسجود لم يتوجه إلا إلى الملائكة، فدل هذا على أنه واحد منهم، وكان قتادة يقول: جن عن طاعة ربه (٢).

٣ - أن الملائكة يطلق عليهم اسم الجن، كما في قوله تعالى: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ [الصافات: ١٥٨]. حيث إن المراد بالجنة في الآية الملائكة، حيث زعمت قريش أن الملائكة بنات الله، وقد جعلوا بين الله وإبليس نسباً – تعالى الله عما يقولون – وإطلاق لفظ الجن على الملائكة هو ما دلت عليه لغة العرب، حيث يقول أعشى بن قيس يذكر ما أعطاه الله للنبي سليمان بن داود عليهما السلام:

وسخر من جن الملائك تسعة ... قياماً لديه يعملون بلا أجر

فقد أطلق على الملائكة اسم الجن، وقال الطبري: (فأبت العرب في لغتها إلا أن الجن كل ما اجتن، وما سمى الله الجن إلا لأنهم اجتنوا فلم يروا، وما سمى بنو آدم الإنس إلا أنهم ظهروا فلم يجتنوا، فما ظهر فهو إنس، وما اجتن فلم ير فهو جن) (٣).

٤ - وذكر الشيخ محمد عبده في تفسير المنار بأنه ليس هناك ثمة دليل يفرق بين الملائكة والجن تفريقاً جوهرياً، وإنما هو اختلاف أصناف عندما تختلف أوصاف كما ترشد إليه الآيات، فالظاهر أن الجن صنف من الملائكة (٤).

ب- أدلة الفريق الثاني:

وقد استدل القائلون بأن إبليس من الجن وليس من الملائكة بأدلة هي:

١ - أن قوله تعالى في سورة الكهف: إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الكهف: ٥٠]. صريح في أن إبليس من الجن وليس من الملائكة، والجن غير الملائكة، وغير جائز أن ينسب إلى غير ما نسبه الله إليه، وذكر الطبري عن قتادة قال: (كان الحسن يقول في قوله: إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ إلجاء إلى نسبه، وما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط، وإنه لأصل الجن كما أن آدم أصل الإنس) (٥). وممن قال بأن إبليس أبو الجن أيضاً ابن زيد وقتادة كما ذكر ذلك القرطبي (٦).


(١) ((تفسير الطبري)) (١/ ٢٢٤) و ((تفسير القرطبي)) (١/ ٢٩٤).
(٢) ((تفسير الطبري)) (١/ ٢٢٥).
(٣) ((تفسير الطبري)) (١/ ٢٢٥) و ((أضواء البيان)) (٤/ ١٢٠).
(٤) ((تفسير المنار)) (١/ ٢٦٥).
(٥) ((تفسير الطبري)) (١/ ٢٢٦).
(٦) ((تفسير القرطبي)) (١/ ٢٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>