للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتصديق ذلك من كتاب الله قوله سبحانه وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ [يس: ١٢]، والإمام هو أم الكتاب (١).

وقوله مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد: ٢٢].

وقوله وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا [النبأ: ٢٩].

٤ - وأعمالك أيها الإنسان كلها محسوبة محصية، لا يضيع منها شيء، ولا يزاد عليك شيء، فتجزى بها يوم القيامة ولا تظلم.

قال تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء: ٤٧].

وقال سبحانه: أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة: ٦].

وقد أمر الله سبحانه الحفظة بذلك، أن يدونوا كل صغيرة وكبيرة.

قال تعالى: مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: ١٨]. وهذا الحفظ والإحصاء الدقيق، والحساب الذي لا يفوته شيء، هو الذي يبهت أهل الأجرام، الذين لا يبالون بأعمالهم صلحت أو فسدت، يعملون السيئات بلا حساب ويظنون أنهم متروكون سدى، لا حساب ولا عذاب، قال تعالى عنهم وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف: ٤٩].

لذلك كان لزاماً علينا أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، وأن نزن أعمالنا قبل توزن (٢).

قال الأقليشي: فأرباب القلوب، المحسون بأوجاع الذنوب العالمون يقيناً بمحاسبة علام الغيوب، وإحصاء حسابه لجميع العيوب، أقاموا في الدنيا موازين القسط على أنفسهم وأحصوا عليها بالحساب المحرر كلما برز عنها وصدر ثم حاسبوها محاسبة الشريك النحرير القائم بماله شريكه الذي انفصل عن شركته بعداوة وقعت بينه وبينه، فانظر هل يسمح له بترك حبة، أو يسقيه من مائه عند ظمأه عبه، فلذلك انتثرت ذنوب هؤلاء من الصحائف كما ينتثر ورق الشجر اليابس بالريح العاصف. فإذا قدموا قضاء الموقف، برزت لهم تلك الصحائف منيرة وقد استنارت فيها المعاني والأحرف، لأنها ممحضة مخلصة بدقيق المحاسبة وشديد المطالبة فكان حسابهم عرضاً لا مناقشة اهـ (٣).

٥ - وحساب الخلق لا مشقة فيه على الخالق الحاسب، بل هو يسير عليه.

قال تعالى ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ [الأنعام: ٦٢].

قال ابن جرير: ثم ردت الملائكة الذين توفوهم فقبضوا نفوسهم وأرواحهم إلى الله سيدهم الحق، (ألا له الحكم) يقول: ألا له الحكم والقضاء دون من سواه من جميع خلقه، (وهو أسرع الحاسبين) يقول: وهو أسرع من حسب عددكم وأعمالكم وآجالكم وغير ذلك من أموركم أيها الناس، وأحصاها وعرف مقاديرها ومبالغها.

لأنه لا يحسب بعقد يد، ولكنه يعلم ذلك ولا يخفى عليه منه خافية، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين اهـ (٤).

فكما أن خلقهم وبعثهم لا مشقة فيه كما قال سبحانه مَّا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ [لقمان: ٢٨].

فكذلك حسابهم لا مشقة فيه ولا تأخير، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: ٨٢].

فسبحان الله العظيم، الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى لمحمد بن حمد الحمود– ص: ٣٤٩


(١) انظر ((تفسير ابن جرير)) (٢٢/ ١٠٠) وغيره.
(٢) روي عن عمر رضي الله عنه: ((أنه قال في خطبته حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا فإنه أهون لحسابكم وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا)) رواه ابن المبارك في ((الزهد)) (ص: ٣٠٦)، وابن أبى شيبة (٧/ ٩٦)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (١/ ٥٢).
(٣) ((الكتاب الأسنى)) (٢٠٩ - ٢١٠)
(٤) ((جامع البيان)) (٧/ ١٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>