للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلو قيل في مثل هذه الذنوب: إن صاحبها يخرج من الإيمان إلى الإسلام، لكان له وجه من الدليل. لأن الأصغر من الكفر والشرك والنفاق أكبر من الكبائر، لما فيه من منافاة كمال التوحيد الواجب والعياذ بالله والله تعالى أعلم. ... وأن صاحب الكبيرة من أهل الوعيد مع كونه في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه ومآله إلى الجنة لا محالة بما معه من الإيمان والتوحيد. وهذا هو معتقد أهل السنة والجماعة في مرتكب الكبائر خلافا للوعيدية (الخوارج والمعتزلة) فإن أهل السنة والجماعة لا يكفرون أحدا بذنب غير مكفر إلا إذا استحل ذلك الذنب فعندئذ يحكم بكفره بسبب استحلاله لا بسبب ذنبه وسيأتي إيضاح مسألة الاستحلال كفر محض إذا أضيف إلى أي ذنب مهما كان درجته يصير كفرا .. وهذا من الأصول المقررة في معتقد أهل السنة والجماعة وقد عبر عنه الإمام الطحاوي بقوله (ولا نكفر مسلما بذنب إلا إذا استحله) (١) وقال الحافظ الحكمي رحمه الله في منظومته الشهيرة (سلم الوصول إلى علم الأصول) (٢).

ولا نكفر بالمعاصي مؤمنا إلا مع استحلال له لما جنى

وأما الإيمان المستحب: فلا يعتبر التقصير فيه إثما، فإن الله تعالى لم يوجبه على عباده ولكن رغبهم فيه ليصلوا إلى أعلى درجات الكمال في الإيمان ويفوزوا بالدرجات العلى وينالوا الرحمة والرضوان والفردوس والجنان ويحوزوا ولاية الرحمن فقد ثبت في الحديث القدسي قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: فكنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته)) (٣) .. قواعد في بيان حقيقة الإيمان عند أهل السنة والجماعة لعادل الشيخاني- بتصرف- ص: ٤٠٨


(١) ((شرح العقيدة الطحاوية)) (ص: ١٠٧).
(٢) ((معارج القبول شرح سلم الوصول)) للحافظ الحكمي (٣/ ١٠٣٩) تحقيق: عمر محمود أبو عمر ط١/ ١٤١٨هـ دار ابن القيم - الدمام.
(٣) رواه البخاري (٦٥٠٢). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>