واتضح من هذه الآية أن من يعبد شيئاً مع الله لا يكون قد قدر الله تعالى حق قدره. وفي هذا الدلالة الواضحة على أن الله تعالى ذكر من الحجج الدالة على توحيده وصرف العبادة إليه وحده لا شريك له: أن غيره لا يخلق شيئاً وأنه ضعيف مربوب لله فوجب ألا يصرف إليه شيء من العبادة.
المسألة الثانية: تعجيز المسئولين من دون الله (١):
وهذه المسألة وإن كانت داخلة في عموم المسألة قبلها إلا أنه قد ورد إفرادها بالذكر في القرآن الكريم – وترد كذلك مرتبطة مع تلك المسألة.
ومن هذه الآيات قوله تعالى: قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً [الإسراء: ٥٦] وفي هذه الآية تعجيز للمدعوين من دون الله سواء كانوا ملائكة أو جناً أو إنساً أو أصناماً أو غير ذلك إذا أراد الله إنزال ضر أن يدفعوه أو يحولوه إلى نفع أو يحولوا الضر إلى آخرين ولا شك أن المدعوين من دون الله عاجزون عن ذلك إذ المقدر هو الله تعالى، فلا يقدر أحد أن يغير ما قدره الله. وبهذا يعلم أن أولئك لا يجوز صرف شيء من العبادة إليهم إذ المستحق لأن يعبد هو الذي لا يعجزه شيء وهو الله سبحانه وتعالى.
ومن ذلك أن الله تعالى قد ذكر عجائب قدرته في خلق الإنسان والبحار وما يستخرج منها وما يجري فيها من الفلك وخلقه الليل والنهار والشمس والقمر وجريان ذلك بنظام دقيق محكم – فبعد أن ذكر ذلك قال: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر: ١٣ - ١٤] ففي هذه الآية بيان لعجز من يدعى من دون الله إما لعدم سماعه أصلاً أو لعدم استجابته إن سمع الدعاء. وهذا يدل على عدم استحقاق غير الله للعبادة.
وقد يذكر الله تعالى أن التعجيز يقع في الآخرة أيضا، فمن ذلك قول الله تعالى: وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا [الكهف: ٥٢]. وقوله تعالى: وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ [القصص: ٦٤].