ومن صور هذه القاعدة الترخيص لمن عرض على السيف أن يتكلم بما يشعر السامع بالكفر .. بأن يتكلم بذلك شريطة أن يكون قلبه مطمئناً بالإيمان.
ومن صورها ما فعله عبد الله بن حذافة السهمي –رضي الله عنه- حينما خير بين القتل وبين تقبيل رأس عظيم الروم .. فقبل ذلك عبد الله –أعني تقبيله- على أن يفك أسارى المسلمين.
أما إذا تساوت المفاسد في القدر فإنه يخير بينها .. كما قال في المراقي:
وارتكب الأخف من ضرين ... وخيرن لدى استوى هذين
ذكر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- حول هاتين القاعدتين:
قال ابن تيمية –رحمه الله-: فإذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما فقدم أوكدهما لم يكن الآخر في هذه الحال واجباً، ولم يكن تاركه لأجل فعل الأوكد تارك واجب في الحقيقة.
وكذلك إذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما، لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرماً في الحقيقة، وإن سمى ذلك ترك واجب وسمى هذا فعل محرم باعتبار الإطلاق لم يضر، ويقال في مثل هذا: ترك الواجب لعذر، وفعل المحرم للمصلحة الراجحة، أو للضرورة، أو لدفع ما هو أحرم، وهذا كما يقال لمن نام عن صلاة أو نسيها إنه صلاها في غير الوقت المطلق قضاء ... وهذا –باب التعارض- باب واسع جداً لا سيما في الأزمنة والأمكنة التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة، فإن هذه المسائل تكثر فيها، وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل، ووجود ذلك من أسباب الفتنة بين الأمة، فإنه إذا اختلطت الحسنات بالسيئات وقع الاشتباه والتلازم، فأقوام قد ينظرون إلى الحسنات فيرجحون هذا الجانب وإن تضمن سيئات عظيمة، وأقوام قد ينظرون إلى السيئات فيرجحون الجانب الآخر وإن ترك حسنات عظيمة، والمتوسطون الذين ينظرون الأمرين قد لا يتبين لهم أو لأكثرهم مقدار المنفعة والمضرة، أو يتبين لهم فلا يجدون من يغنيهم العمل بالحسنات وترك السيئات، لكون الأهواء قارنت الآراء.
فينبغي للعالم أن يتدبر أنواع هذه المسائل، وقد يكون الواجب في بعضها .. العفو عند الأمر والنهي في بعض الأشياء، لا التحليل والإسقاط؛ مثل أن يكون في أمره بطاعة فعلاً لمعصية أكبر منها، فيترك الأمر بها دفعاً لوقوع تلك المعصية، مثل أن ترفع مذنبا إلى ذي سلطان ظالم فيعتدي عليه في العقوبة ما يكون أعظم ضرراً من ذنبه، ومثل أن يكون في نهيه عن بعض المنكرات تركاً لمعروف هو أعظم منفعة من ترك المنكرات، فيسكت عن النهي خوفاً أن يستلزم ترك ما أمر الله به ورسوله مما هو عنده أعظم من مجرد ترك ذلك المنكر.
فالعالم تارة يأمر وتارة ينهى وتارة يبيح وتارة يسكت عن الأمر والنهي أو (الإباحة) .. فأما إذا كان المأمور والمنهي لا يتقيد بالممكن: إما لجهله وإما لظلمه ولا يمكن إزالة جهله وظلمه فربما كان الأصلح الكف والإمساك عن أمره ونهيه (١). ا. هـ.
وقد نقلنا باقي كلامه فما تقدم فراجعه إن شئت. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لخالد بن عثمان السبت – ص: ٢٤٢