للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثيراً ما يقال: هذه من مسائل العقيدة التي لا يعذر من يجهلها، أو من مسائل الأصول، أو هذه مسألة قطعية لا عذر فيها ونحو ذلك، وهذا التعبير غير دقيق وغير منضبط فمن قال: هذه من مسائل الأصول التي لا يعذر جاهلها، يقال له: ماذا تقصد بمسائل الأصول؟ فإن قال: مسائل الأصول هي مسائل العقيدة، ومسائل الفروع هي مسائل العمل، يقال له: هناك من مسائل العمل كوجوب الصلاة والزكاة وتحريم الفواحش .. الخ، ما هو أعظم من كثير من مسائل الاعتقاد وأقوى وأوضح دليلاً ولا يعذر من يجهلها في دار الإسلام وهناك من مسائل الاعتقاد، اختلف السلف فيها ولم يورث اختلافهم تضليلاً ولا تبديعاً ولا تفسيقاً، كمسألة: هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء والعذاب في القبر على الروح وإلا على الروح والبدن، وهل إبليس من الجن أو الملائكة الخ

وإن قال: الأصول هي المسائل القطعية (أو ما هو معلوم من الدين بالضرورة) والفروع ليست قطعية، فيقال له: كون المسألة قطعية أو ظنية أمر نسبي إضافي، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (فكون الشيء معلوماً من الدين ضرورة أمر إضافي، فحديث العهد بالإسلام ومن نشأ ببادية بعيدة قد لا يعلم هذا بالكلية، فضلاً عن كونه يعلمه بالضرورة، وكثير من العلماء يعلم بالضرورة أن النبي- صلى الله عليه وسلم –سجد للسهو، وقضى بالدية على العاقلة، وقضى أن الولد للفراش، وغير ذلك مما يعلمه الخاصة بالضرورة، وأكثر الناس لا يعلمه البتة) (١).

ولكن مما ينبغي التنبيه إليه، أن هناك أموراً تعلم من الدين بالضرورة بلا خلاف (٢)، وأموراً لا تعلم من الدين بالضرورة بلا خلاف، ويبقى بينهما أمور ومسائل تختلف حولها الأنظار والأفهام، ولذلك يمكن أن نقول: إن هذا التعبير غير دقيق لأننا لا نستطيع أن نضع حداً منضبطاً لا يختلف حوله والله أعلم.

الجهل يأتي بعدة معاني منها: خلو النفس من العلم (٣) وهو المشهور، ومنها: اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه (٤)، ومنها: فعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل سواء اعتقد فيه اعتقاداً صحيحاً أو فاسداً (٥)، ومنه قوله سبحانه: فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ [الحجرات:٦]، ومقصود العلماء بالجهل الذي يعذر صاحبه أو لا يعذر، أن يقول قولاً أو يفعل فعلاً بخلاف ما حقه أن يفعل، أو يعتقد اعتقاداً بخلاف ما هو عليه من الحق.


(١) ((مجموع الفتاوي)) (١٣/ ١١٨) وانظر (١٩/ ٢١١) ((منهاج السنة)) (٥/ ٨٧ - ٩٥) ((مختصر الصواعق المرسلة)) (ص: ٦١٣).
(٢) كثيراً ما يعبر عن هذه الأمور: (بوجوب الواجبات الظاهرة المتواترة، وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة) انظر ((الفتاوى)) (١٢/ ٤٩٦، ٧/ ٦١٠، ١١/ ٤٠٦)، و ((جامع العلوم والحكم)) (ص: ٦٤) , وغيرها إذاً لابد من شرطين أن تكون ظاهرة ومتواترة، ولذلك اعتبرت كثير من المسائل المتواترة غير الظاهرة مما يعذر بجهلها في دار الإسلام، ومن أشهر الأمثلة التي يذكرها الإمام محمد بن عبد الوهاب وتلامذته، مسألة الصرف والعطف رغم اعتباره السحر ومنه الصرف والعطف، من نواقض الإسلام، انظر ((مجموع الشيخ)) (٩/ ١٢)، و ((فتاوى ومسائل)) (١٢/ ٢١٣).
(٣) انظر ((المفردات)) (ص: ١٠٢) و ((لسان العرب)) (١١/ ١٢٩).
(٤) انظر ((المفردات)) (ص: ١٠٢)، و ((التعريفات)) (ص: ٨٤).
(٥) انظر ((المفردات)) (ص: ١٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>