للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قيل إنه ساحر الجن، قال عليه الصلاة والسلام: (إذا تغولت لكم الغيلان فنادوا بالأذان) (١)، يعني: إذا ضلوا وشبهت عليهم الغول الطريق أذَّنوا فذهبت الغيلان، وتغولت: صارت غولاً، وذلك لأنها تتصور بصور كثيرة، فمرة تتصور في صورة امرأة جميلة، وأخرى في صورة امرأة قبيحة، ومرة قصيرة، وأخرى طويلة، ومرة كالإنس، وأخرى كالدواب، وهكذا لتفزع الناس، فهي متبدلة باستمرار، قال كعب بن زهير:

فما تدوم على حال تكون بها ... كما تلون في أثوابها الغول

ويقال: غاله الدهر: أي غير حاله، كما يتغول الغول، فيتغير في كل صورة.

فقد أخرج الطبراني عن أبي أيوب الأنصاري قال: ((كان لي نخل في سهوة لي، فجعلت أراه ينقص منه، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنك ستجد فيه غدا هرة فقل: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان الغد وجدت فيه هرة فقلت: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتحولت عجوزاً وقالت: أذكرك الله لما تركتني فإني غير عائدة فتركتها، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما فعل الرجل وأسره؟ فأخبرته خبرها فقال: كذبت، هي عائدة، فقل لها، أجيبي رسول الله، فتحولت عجوزاً، فقالت: أذكرك الله يا أبا أيوب لما تركتني هذه المرة فإني غير عائدة، فتركتها ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي كما قال لي، فقلت ذلك ثلاث مرات، فقال لي في الثالثة، أذكرك الله يا أبا أيوب لما تركتني حتى أعلمك شيئاً لا يسمعه شيطان فيدخل ذلك البيت، فقلت ما هو؟ فقالت: آية الكرسي، لا يسمعها شيطان إلا ذهب، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: صدقت وإن كانت كذوباً)) (٢).

نلاحظ مما تقدم أن الجن أصناف مختلفة من حيث قوتهم, ومكرهم, وتنقلهم في الصور المختلفة, وتخبطهم للإنسان وإيذائهم له، وهي أوصاف تتناسب مع طبيعتهم النارية، مع ما أعطاهم الله من القدرة على التشكل والتبدل في الصور المختلفة. عالم الجن في ضوء الكتاب والسنة لعبد الكريم عبيدات -ص: ٥٩


(١) رواه أبو داود (٢٥٧٠) مختصراً، وأحمد (٣/ ٣٠٥) (١٤٣١٦)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٦/ ٢٣٦) (١٠٧٩١)، وأبو يعلى (٤/ ١٥٣) (٢٢١٩). من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٣/ ٢١٦): رجاله رجال الصحيح، وقال ابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (٥/ ١٦١): رجاله ثقات إلا أن الحسن الراوي عن جابر من طريقه لم يسمع منه عند الأكثر.
(٢) رواه الطبراني (٤/ ١٦٢) (٤٠١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>