للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأوجب الشيعة مسح الرجلين ببقية البلل إلا في حال التقية (١)، وقال بعض طوائف المعتزلة بالتخيير بين مسح الرجلين وبين غسلهما.

قال النووي: (أجمع العلماء على وجوب غسل الوجه واليدين والرجلين، وانفردت الرافضة عن العلماء، فقالوا: الواجب في الرجلين المسح، وهذا خطأ منهم؛ فقد تظاهرت النصوص بإيجاب غسلهما) (٢).

وقال شيخ الإسلام: (ومن مسح على الرجلين فهو مبتدع مخالف للسنة المتواترة وللقرآن، ولا يجوز لأحد أن يعمل بذلك مع إمكان الغسل) (٣).

وقال في موطن آخر: (فالقدم كثيراً ما يفرط المتوضئ بترك استيعابها، حتى قد اعتقد كثير من أهل الضلال أنها لا تغسل، بل فرضها مسح ظاهرها عند طائفة من الشيعة، والتخيير بينه وبين الغسل عند طائفة من المعتزلة) (٤).

٢ - الصلاة:

أ- ومن ذلك ترك الجهر بالبسملة – في الصلاة الجهرية – حيث قال الإمام سفيان الثوري في اعتقاده: (وإخفاء البسملة أفضل من الجهر) (٥).

وقال ابن بطة: (من السنة ألا تجهر ببسم الله الرحمن الرحيم) (٦).

وذلك مخالفة للرافضة الذين يستحبون الجهر بالبسملة في مواضع الإخفات (٧)، وكان سفيان الثوري إمام أهل الكوفة، وقد ظهر فيهم الرفض، حتى قال عبد الله بن المبارك رحمه الله: (لا تأخذوا عن أهل الكوفة في الرفض شيئاً)، ولذا أظهر سفيان مخالفتهم بترك الجهر بالبسملة، لاسيما أن الرافضة قد وضعوا أحاديث في الجهر بالبسملة (٨) وهذه المسألة خلافية بين أهل السنة أنفسهم؛ فمنهم من استحب الجهر بالبسملة محتجاً بأدلة، ومنهم من استحب إخفاءها لأدلة (٩).

والمقصود من إيرادها بيان ما كان عليه أئمة السلف من مجانبة المبتدعة والحذر من موافقتهم؛ ففي هذه الحالة تكون مصلحة مخالفتهم والتمييز عنهم بترك الجهر بالبسملة آكد من مصلحة هذا المستحب – أي الجهر بالبسملة – كما حقق ذلك شيخ الإسلام تحقيقاً دقيقاً فقال: (الذي عليه أئمة الإسلام أن ما كان مشروعاً لم يترك لمجرد فعل أهل البدع (١٠)، لا الرافضة ولا غيرهم وأصول الأئمة كلهم توافق هذا.

إلى أن قال: فالجهر بالبسملة هو مذهب الرافضة، وبعض الناس تكلم في الشافعي بسببها، ونسبه إلى قول الرافضة والقدرية؛ لأن المعروف في العراق أن الجهر كان من شعار الرافضة، حتى إن سفيان الثوري وغيره من الأئمة يذكرون في عقائدهم ترك الجهر بالبسملة؛ لأنه كان عندهم من شعار الرافضة .. ومع هذا فالشافعي لما رأى أن هذا هو السنة كان ذلك مذهبه وإن وافق قول الرافضة.


(١) انظر: ((فقه الإمامية)) للسالوس (ص: ١٠١).
(٢) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (٣/ ١٠٧)، وانظر: (٣/ ١٢٩، ١٣٣).
(٣) ((مجموع الفتاوى)) (٢١/ ١٣٤).
(٤) ((مجموع الفتاوى)) (٢١/ ١٣٦).
(٥) أخرجه اللالكائي في ((أصول السنة)) (١/ ١٥٢).
(٦) ((الإبانة الصغرى)) (ص: ٢٨٨)، وانظر: ((الإبانة الكبرى)) (ت الوابل) (٢/ ٢٨٧).
(٧) انظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (٢٢/ ٤٢٣)، و ((فقه الأمامية)) للسالوس (ص: ١٨١).
(٨) انظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (٢٢/ ٤٢٣).
(٩) انظر: ((المجموع)) للنووي (٣/ ٢٩٨)، و ((المغني)) (٢/ ١٤٩).
(١٠) وقدر قرر ذلك الإمام النووي. انظر: ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (٥/ ٢٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>