للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشوكاني رحمه الله في تفسير الآية: وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ: (هم اليهود والنصارى عند جمهور المفسرين، وقيل: هم المبتدعة من هذه الأمة، وقيل: الحرورية، والظاهر الأول، والبينات الآيات الواضحة المبينة للحق الموجبة لعدم الاختلاف) (١).

أما قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ. فقد قال ابن كثير رحمه الله في تفسيرها: (يعني يوم القيامة حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة – قاله ابن عباس رضي الله عنهما) (٢).

والقول الذي ذكره ابن كثير رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما منقول عن الإمام مالك رحمه الله كما نص على ذلك الشاطبي بقوله: (وقال ابن وهب: سمعت مالكاً يقول: ما آية من كتاب الله أشد على أهل الاختلاف من أهل الأهواء من هذه الآية: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ إلى قوله بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ. قال مالك: فأي كلام أبين من هذا؟ فرأيته يتأولها لأهل الأهواء. ورواه ابن القاسم وزاد: قال مالك: إنما هذه الآية لأهل القبلة) (٣). وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق – جمال بن أحمد بادي – ص: ٢٩

الدليل الثاني:

قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ [الأنعام: ١٥٣].

قال ابن جرير رحمه الله: (يقول تعالى ذكره: وهذا الذي وصاكم به ربكم أيها الناس في هاتين الآيتين من قوله: قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ [الأنعام: ١٥١]. وأمركم بالوفاء به، هو صراطه، يعني طريقه ودينه الذي ارتضاه لعباده (مستقيماً) يعني: قويماً لا أعوجاج به عن الحق (فاتبعوه). يقول: فاعملوا به، واجعلوه لأنفسكم منهاجاً تسلكونه فاتبعوه (ولا تتبعوا السبل) يقول: ولا تسلكوا طريقاً سواه، ولا تركبوا منهاجاً غيره، ولا تبغوا ديناً خلافه من اليهودية والنصرانية والمجوسية، وعبادة الأوثان، وغير ذلك من الملل، فإنها بدع وضلالات (فتفرق بكم عن سبيله) يقول: فيشتت بكم إن اتبعتم السبل المحدثة التي ليست لله بسبل ولا طرق، ولا أديان أتباعكم إياها (عن سبيله)، يعني عن طريقه ودينه الذي شرعه لكم وارتضاه، وهو الإسلام الذي وصى به الأنبياء وأمر به الأمم قبلكم) (٤).

ثم ذكر ابن جرير رحمه الله بسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً خطاً. فقال: هذا سبيل الله، ثم خط عن يمين ذلك الخط وعن شماله خطوطاً، فقال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها، ثم قرأ هذه الآية: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ. ثم ذكر بسنده أيضاً أن رجلاً قال لابن مسعود: ما الصراط المستقيم؟ قال: تركنا محمد صلى الله عليه وسلم، في أدناه، وطرفه في الجنة، وعن يمينه جواد، وعن يساره جواد، وثم رجال يدعون من مر بهم، فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة، ثم قرأ ابن مسعود: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا ... الآية) (٥).


(١) ((فتح القدير)) (١/ ٣٧٠).
(٢) ((تفسير القرآن العظيم)) (١/ ٣٩٠).
(٣) ((الاعتصام)) (٢/ ٢٩٠).
(٤) ((جامع البيان)) (٨/ ٨٧ - ٨٨).
(٥) ((جامع البيان)) (٨/ ٨٨ - ٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>