للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما أن اليهود واجهوا الإسلام ورسوله من أول أمره بالعداء، وحاولوا القضاء عليه بأنواع جهدهم وكيدهم إلى الدسائس، والمؤامرات، والاغتيالات لرجاله العظام، ودخل في الإسلام ظاهراً من هؤلاء من قصد إفساده، وتمزيق وحدة أهله، ولابد أن يكون عن دراسة، وإعمال فكر وتخطيط، وربما يكون هناك جمعيات متعاونة، من المجوس والنصارى، والهنود، وغيرهم، وقد تكون لكل طائفة مؤسسات تعمل لإفساد عقائد المسلمين، لتيقنهم أنه لا يمكن هزيمة المسلمين إلا بإفساد عقيدتهم.

فبدأت آثار تلك المؤامرات تظهر، شيئاً فشيئاً، فقتل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب بأيد مجوسية، وربما بمؤامرة مجوسية يهودية، ثم قتل الخليفة الذي بعده، بأيد مشبوهة، من غوغاء، بدفعهم بعض دهاة اليهود والمجوس (١).

قال الإمام ابن حزم: (الأصل في أكثر خروج هذه الطوائف عن ديانة الإسلام أن الفرس كانوا على سعة الملك، وعلو اليد على جميع الأمم، وجلالة الخطر في أنفسهم، حتى أنهم يسمون أنفسهم الأحرار والأبناء، وكانوا يعدون سائر الناس عبيداً لهم، فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم، على أيدي العرب، وكانت العرب أقل الأمم خطراً، تعاظمهم الأمر، وتضاعفت لديهم المصيبة، وراموا كيد الإسلام بالمحاربة، في أوقات شتى، ... فرأوا أن كيده على الحيلة أنجح.

فأظهر قوم منهم الإسلام واستمالوا أهل التشيع بإظهار محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستشناع ظلم علي –رضي الله عنه-، ثم سلكوا بهم مسالك شتى، حتى أخرجوهم عن الإسلام، فقوم منهم أدخلوهم إلى القول بأن رجلاً ينتظر يدعى المهدي، عنده حقيقة الدين، إذ لا يجوز أن يؤخذ الدين من هؤلاء الكفار، وقوم خرجوا إلى نبوة من ادعى له النبوة، وقوم سلكوا بهم ... القول بالحلول، وسقوط الشرائع.

وآخرون تلاعبوا بهم، وأوجبوا عليهم خمسين صلاة في كل يوم وليلة ... وقد سلك هذا المسلك أيضاً عبد الله بن سبأ الحميري اليهودي، فإنه –لعنه الله- أظهر الإسلام ليكيد أهله، فهو كان أصل إثارة الناس على عثمان – رضي الله عنه- ...

ومن هذه الأصول الملعونة، حدثت الإسماعيلية، والقرامطة، وهما طائفتان مجاهرتان بترك الإسلام جملة، قائلتان بالمجوسية المحضة، ثم مذهب مزدك الموبذ، ... فإذا بلغ الناس إلى هذين الشعبين أخرجوهم عن الإسلام كيف شاؤوا، إذ هذا هو غرضهم فقط) (٢).

فأول فرقة ظهوراً هي الشيعة، وكانت الخوارج أيضاً في نفس الوقت ظهرت كفرقة مستقلة، وإن كان لكل منهما وجود قبل هذا ولكن بصفة متفرقة، فهاتين الفرقتين لهما السبق في تفريق جمع هذه الأمة.

قال الشهرستاني: (ومن الفريقين ابتدأت البدع والضلالة ... وانقسمت الاختلافات بعده إلى قسمين:

أحدهما: الاختلاف في الإمامة.

والثاني: الاختلاف في الأصول ... والاختلاف في الإمامة على وجهين:

أحدهما: القول بأن الإمامة بالاتفاق والاختيار، والثاني: القول بأن الإمامة تثبت بالنص والتعيين ...


(١) راجع لما تقدم ما ذكره كل من الإمام ابن حزم في ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) (٢/ ١١٥، ١١٦). والشهرستاني في ((الملل والنحلل)) (١٠/ ١٥ - ٢٢). والذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (١١/ ٢٣٦). والمقريزي في ((الخطط)) (٢/ ٣٣١ - ٣٤٣، ٣/ ٣٠٩ - ٣٤٣). وشيخنا عبد الله محمد الغنيمان في ((شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري)) (١/ ٣ - ١٩). و ((مقدمة الدكتور علي بن محمد بن ناصر فقيهي في تحقيقه لكتاب الإيمان لابن مندة)) (١/ ٤ - ٧).
(٢) ابن حزم الأندلسي في ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) (٢/ ١١٥ - ١١٦)، والبغدادي في ((الفرق بين الفرق)) (ص: ٥٨٤، ٢٨٥)، والديلمي في ((قواعد آل محمد)) ((بيان عقيدة الباطنية وبطلانها)) (ص: ١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>