للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (أصل هذه المقالة – مقالة التعطيل للأسماء والصفات- إنما هو مأخوذ عن تلامذة اليهود والمشركين، وضلال الصابئين، فأول من حفظ عنه أنه قال هذه المقالة ... في الإسلام: هو الجعد بن درهم، فأخذها عنه الجهم بن صفوان، وأظهرها، فنسبت مقالة الجهمية إليه، وقد قيل: إن الجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان، وأخذها أبان من طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم، وأخذها طالوت من لبيد بن الأعصم اليهودي الساحر الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم) (١). فهذه سلسلة يهودية لها سوابق في محاربة الإسلام.

روى البخاري في خلق أفعال العباد، بسنده، قال: قال خالد بن عبد الله القسري في يوم أضحى: (ارجعوا فضحوا تقبل الله منكم، فإني مضح بالجعد ابن درهم، زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، تعالى الله علواً كبيراً عما يقول ابن درهم)، ثم نزل فذبحه. قال أبو عبد الله: قال قتيبة: إن جهماً كان يأخذ الكلام من الجعد بن درهم) (٢).

فتبين من هذا أن الإلحاد أو شرك التعطيل في الربوبية بتعطيل الأسماء والصفات والأفعال ما هو إلا مؤامرة يهودية سيقت بغية إفساد العقيدة الصحيحة النقية للإسلام، كما بينا أن هذا الرفض أول من عرف من دعاته يهودي ماكر حاقد وهو ابن سبأ.

والمقصود: بيان كون الشرك الذي يتعلق بذات الرب سبحانه وأسمائه وصفاته وأفعاله بالتعطيل أول ما حدث في تاريخ الإسلام من قبل هؤلاء القدرية في زمن صغار الصحابة، ومن قبل هؤلاء الجهمية بعدما ذهب أئمة التابعين – رضوان الله عليهم أجمعين (٣) -.

وفي أثناء ذلك حدث مذهب الاعتزال على يد واصل بن عطاء؛ فأنكر صفات الله عز وجل متأثراً بالجهمية، فهؤلاء المعتزلة نفوا أن يكون الله عز وجل خالقاً لأفعال العباد، وأثبتوا صفة الخلق لأفعال العباد، وأثبتوا صفة الخلق لأفعال العباد للعباد الضعفاء، وحرفوا الآيات القرآنية الدالة على الصفات وخلق الله لأفعال العباد، وجعلوا الأحاديث الصحيحة التي تدل على خلق الله سبحانه لأفعال العباد ظنية غير موجبة للعمل، تلبية لدعوة هواهم في إثبات آرائهم الفاسدة، وجمعوا بهذه الأعمال الشنيعة بين شرك تعطيل الصفات مع شرك تعطيل الأفعال، فما عبدوا إلا المعدوم، وما أشبهوا إلا المجوس.

وتأثر بهم ابن كلاب، فهذب مذهب الاعتزال وحاول تقريبه إلى مذهب أهل السنة في الصفات، ولكن لم يتخلص منهم، ثم ظهر في الساحة الإمام الأشعري، وكان أخذ عن الجبائي المعتزلي في أول الأمر، ولكنه سرعان ما رجع إلى مذهب ابن كلاب، فألف ودافع عنه، فهؤلاء الأشاعرة المنسوبة إلى الإمام الأشعري كلهم من أتباع ابن كلاب في الحقيقة، وهم من المتأثرين بالمعتزلة في الصفات حيث لم يتخلصوا من شرك التعطيل.

ومن الذين تأثروا بمذهب المعتزلة والجهمية في زمن الأشعري: أبو منصور الماتريدي، حيث إنه أخذ مذهب الاعتزال وأراد أن يتخلص منه، ولكن فاته الحظ الأوفر من مذهب السلف في الصفات، فلم يسلم من شرك التعطيل في صفات الله جل وعلا من جميع الوجوه، وهؤلاء الماتريدية المنسوبون إليه إلى يومنا هذا كلهم واقعون في شرك تعطيل بعض صفات الله جل شأنه شاؤوا أم أبوا.


(١) ابن تيمية: ((مجموع فتاواه)) (١٤/ ٢٠)، وانظر ما نقله عنه ابن عبد الهادي في ((العقود الدرية)) (ص: ٨٥).
(٢) البخاري: في ((خلق أفعال العباد)) (ص: ٢٩، ٣٠)، ورواه عثمان بن سعيد الدارمي في ((الرد على الجهمية)) (ص: ٢٥).
(٣) راجع ما قاله شيخ الإسلام في ((مجموع فتاواه)) (٤/ ٣٤٧ - ٣٥٧)، وفي كتابه ((تفسير آيات أشكلت على كثير من الناس .. )) (٢/ ٧٧٤، ٧٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>