للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيا: لو حملنا الحديث المنسوب إلى النبي بهذا اللفظ على النفي لكنا قد كذبنا الواقع؛ فإن جزيرة العرب في تحديدهم (جنوباً وشمالاً: من عدن إلى ديار بكر، وشرقاً وغرباً: من العراق إلى مصر، فتدخل فيها اليمن، والحجاز، ونجد، والعراق، والشام، ومصر) (١)، فإن قلنا بحمل الحديث على النفي فإننا قد فتحنا لغير المسلمين بابا للضحك على عقولنا في رد الأحاديث، بدلالة كذب الواقع له، فإن في هذه الديار المذكورة كم من الأديان، وكم من الكنائس أيضاً، وهي مازالت معمورة من أول الإسلام حتى عصرنا الحاضر.

ثالثاً: أن ما ذكره هذا الضال من الحديث الذي رواه الإمام مالك في الموطأ، وما ورد أيضاً بلفظ: ((لا يبقين دينان بأرض العرب)) (٢)، وما رواه الإمام أحمد في (المسند) بلفظ: ((لا يترك بجزيرة العرب دينان)) (٣)، كل هذه الأحاديث إنما جاءت في سياق رواية وصية النبي صلى الله عليه وسلم وآخر عهده في حياته، وهي تدل صراحة على أن المراد بالحديث إنما هو النهي لا النفي كما فهمه هذا المفتون.

رابعاً: أن جميع من روى هذا الحديث من أصحاب الحديث كلهم ذكروه بعبارات تدل على أن المراد هو النهي، لا النفي، فمن هذه الروايات ما يلي:

١ - عن عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب ... )) (٤).

٢ - عن عمر قال: (لئن عشت - إن شاء الله - لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب) (٥).

وهناك روايات صريحة تدل على أن هذا إنما هو أمر النبي صلى الله عليه وسلم، منها:

١ - عن ابن عباس: في حديث طويل قال صلى الله عليه وسلم: ((أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)) (٦).

وبعد هذه الروايات الواضحة لا يقول بحمل الحديث على النفي إلا الغبي الجاهل الذي ليس له أي مشاركة في هذا العلم الشريف. والله أعلم.

ومما اشتبه عليهم أيضاً:

٣ - قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان قد أيس أن يعبد في جزيرتكم - جزيرة العرب)) (٧)

هكذا ذكره بعضهم، وقال آخر (٨):


(١) ابن جرجيس في ((صلح الإخوان)) (ص: ١٤٤)، وانظر ما قال سليمان بن عبد الوهاب في ((الصواعق الإلهية)) (ص: ٤٤ - ٤٧).
(٢) رواه مالك في ((الموطأ)) (٢/ ٥٩٢) (١٥٨٣) والبيهقي (٦/ ١٣٥) مرسلا عن عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه. قال البيهقي: مرسل. وقال ابن عبد البر في ((التمهيد)) (١/ ١٦٥): مقطوع يتصل من وجوه حسان. وقال ابن الملقن ((شرح البخاري)) (١٧/ ١٣٧): أسانيده منقطعة.
(٣) ((مسند أحمد)) (٦/ ٢٧٤) (٢٦٣٩٥)، ورواه ابن إسحاق كما في ((سيرة ابن هشام)) (٦/ ٨٨) والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (٢/ ١٢) (١٠٦٦). من حديث عائشة، وصححه الدارقطني كما في ((نصب الراية)) (٣/ ٤٥١)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٥/ ٣٢٨): رجاله رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع. وحسن إسناده الألباني في ((التعليقات الرضية)) (٣/ ٤٩٣) وحسنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (١٦٥٠).
(٤) رواه مسلم (١٧٦٧).
(٥) رواه والترمذي (١٦٠٦، ١٦٠٧) وأحمد (١/ ٣٢) (٢١٥) وابن حبان (٩/ ٦٩) (٣٧٥٣)، والحاكم (٤/ ٣٠٥) (٧٧٢١). وقال: صحيح على شرط مسلم. وقال الألباني في ((صحيح الترمذي)) (١٦٠٦): صحيح. ورواه مسلم (١٧٦٧) وأبو داود (٣٠٣٠)، بدون لفظة: ((لئن عشت)).
(٦) رواه البخاري (٣٠٥٣)، ومسلم (١٦٣٧).
(٧) رواه الترمذي (٣٠٨٧)، وابن ماجه (٢٤٩٧)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٢/ ٤٤٤) (٤١٠٠). من حديث عمرو بن الأحوص رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).
(٨) سليمان بن عبد الوهاب: ((الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية)) (ص: ٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>