للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الطِّيَرَةُ فهي: ترك الإنسان حاجته، واعتقاده عدم نجاحها، تشاؤماً بسماع بعض الكلمات القبيحة كيا هالك أو يا ممحوق ونحوها. وكذا التشاؤم ببعض الطيور كالبومة وما شاكلها إذا صاحت، قالوا إِنَّها ناعية أو مخبرة بشر، وكذا التشاؤم بملاقاة الأعورِ أو الأعرج أو المهزول أو الشيخ الهرم أو العجوز الشمطاء، وكثير من الناس إذا لقيه وهو ذاهب لحاجة صَدَّهُ ذلك عنها ورجع معتقداً عدم نجاحها، وكثير من أهل البيع لا يبيع مِمَّنْ هذه صفته إذا جاءهُ أول النهار، حتى يبيع من غيره تشاؤماً به وكراهة له. وكثير منهم يعتقد أنه لا ينال في ذلك اليوم خيراً قط، وكثير من الناس يتشاءم بما يعرض له نفسه في حال خروجه كما إذا عثر أو شيك يرى أَنَّه لا يجد خيراً، ومن ذلك التشاؤم ببعض الأيام أو ببعض الساعات كالحادي والعشرين من الشهر وآخر أربعاء فيه ونحو ذلك فلا يسافر فيها كثير من الناس ولا يعقد فيها نكاحاً ولا يعمل فيها عملاً مهماً ابتداء، يظن أو يعتقد أن تلك الساعة نحس، وكذا التشاؤم ببعض الجهات في بعض الساعات فلا يستقبلها في سفر ولا أمر حتى تنقضي تلك الساعة أو الساعات. وهي من أكاذيب المنجمين ... ، يزعمون أَنَّ هناك فلكاً دَوَّاراً يكون كل يوم أو ليلة في جهة من الجهات فمن استقبل تلك الجهة في الوقت الذي يكون فيها هذه الفلك لا ينال خيراً ولا يأمن شراً، وهم في ذلك كاذبون مفترون قبَّحهم الله ولعنهم، وقد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل. ومن ذلك التشاؤم بوقوع بعض الطيور على البيوت يرون أَنَّها معلمةٌ بشرٍّ، وكذا صوت الثعلب عندهم، ومن ذلك الاستقسام بتنفير الطير والظباء فإِنْ تيامنت ذهبوا لحاجتهم وإِنْ تياسرت تركوها، وهذا من الاستقسام بالأزلام الذي أمر الله تعالى باجتنابه وأخبر أَنَّه رجس من عمل الشيطان، وهذا وما شاكله كثير منه كان في الجاهلية قبل النبوة وقد أبطله الإسلام فأَعاده الشيطان في هذا الزمان أكثر مما كان عليه في الجاهلية بأضعاف مضاعفة، ووسع دائرة ذلك وساعده عليه شياطين الإنس من الكهنة والمنجمين وأضرابهم وأتباعهم؛ أرداهم الله وألحقهم به آمين.

قال الله تعالى وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ [الأعراف:١٣١]، وقال تعالى وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ [النمل:٤٥ – ٤٧]، وقال تعالى في قصة الثلاثة رسل عيسى قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ [يس:١٦ - ١٨] قال مجاهد في قوله تعالى فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ قالوا: العاقبة والرخاء نحن أحق بها وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ قال بلاء وعقوبة يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى قال: يتشاءموا به.

<<  <  ج: ص:  >  >>