للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا وإذا قال المسلم: (مطرنا بنوء كذا وكذا) ومقصده أن الله أنزل المطر في وقت هذا النجم، معتقداً أنه ليس للنجم أدنى تأثير لا استقلالاً ولا تسبباً فقد اختلف أهل العلم في حكم هذا اللفظ: فقيل: هو محرم (١).

وقيل: مكروه (٢). وقيل: مباح (٣)، ولا شك أن هذا اللفظ ينبغي تركه، واستبداله بالألفاظ الأخرى التي لا إيهام فيها، فإما أن يقول: (مطرنا بفضل الله ورحمته)، أو يقول: (هذه رحمة الله)، وهذا هو الذي ورد الثناء على من قاله، كما سبق في النصوص، فهو أولى من غيره، وإما أن يقول: (هذا مطر أنزله الله في وقت نجم كذا)، أو يقول: (مطرنا في نوء كذا)، ونحو ذلك من العبارات الصريحة التي لا لبس ولا إشكال فيها، فقول (مطرنا بنوء كذا) أقل أحواله الكراهة الشديدة، والقول بالتحريم قول قوي، لما يلي:

١ - أنه قد جاء الحديث القدسي مطلقاً بعيب قائلي هذا اللفظ، وباعتبار قولهم كفراً بالله تعالى، وإيماناً بالكوكب.

٢ - أن هذا القول ذريعة إلى الوقوع في الاعتقاد الشركي، فاعتياد الناس عليه في عصر قد يؤدي بجهالهم أو بمن يأتي بعدهم إلى الوقوع في الاستسقاء الشركي بالأنواء.

٣ - أنه لفظ موهم لاعتقاد فاسد.

٤ - أن فيه استبدالاً للفظ المندوب إليه شرعاً في هذه الحال، وهو قول: (مطرنا بفضل الله ورحمته) بلفظ من ألفاظ المشركين، ففي هذا ترك للسنة وتشبه بالمشركين، وقد نهينا عن التشبه بهم.

قريب من لفظ (مطرنا بنوء كذا وكذا) ما يشبهه من الألفاظ الموهمة، كلفظ (هذا مطر الوسمي)، ونحو ذلك.

هذا وهناك أمثلة أخرى كثيرة للشرك الأصغر تركتها خشية الإطالة، ومن ذلك التسمي بالأسماء التي فيها تعظيم لا يليق إلا بالله تعالى، كملك الملوك، وقاضي القضاة ونحوهما، ومنها التسمي بأسماء الله تعالى، ومنها التسمي باسم فيه تعبيد لغير الله تعالى، كعبد الرسول، وعبد الحسين، ونحوهما، ومنها بعض صور التبرك البدعي، ومنها التصوير لذوات الأرواح إذا كان فيه نوع تعظيم، ومنها سب الدهر، ومنها الحكم بغير ما أنزل الله، وبالأخص إذا كان في قضية واحدة. تسهيل العقيدة الإسلامية لعبد الله بن عبد العزيز الجبرين– ص: ٤٢٩

الاستسقاء: طلب السقيا، كالاستغفار: طلب المغفرة والاستعانة: طلب المعونة، والاستعاذة: طلب العوذ، والاستهداء: طلب الهداية، لأن مادة استفعل في الغالب تدل على الطلب، وقد لا تدل على الطلب، بل تدل على المبالغة في الفعل، مثل: استكبر، أي: بلغ في الكبر غايته، وليس المعنى طلب الكبر، والاستسقاء بالأنواء، أي: أن تطلب منها أن تسقيك.

والاستسقاء بالأنواء، أي: أن تطلب منها أن تسقيك.

والاستسقاء بالأنواء ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: شرك أكبر، وله صورتان:

الأولى: أن يدعو الأنواء بالسقيا، كأن يقول: يا نوء كذا! اسقنا أو أغثنا، وما أشبه ذلك، فهذا شرك أكبر، لأنه دعا غير الله، ودعاء غير الله من الشرك الأكبر، قال تعالى: وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون: ١٧]، وقال تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن: ١٨]، وقال تعالى وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ [يونس: ١٠٦].


(١) ((الفروع)): صلاة الاستسقاء (١/ ١٦٣)، ((التيسير وفتح المجيد)) باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء.
(٢) ((الأذكار)) للنووي (ص: ٣٠٨)، ((شرح مسلم للنووي)) (٢/ ٦١).
(٣) ((شرح السنة)) الاستسقاء (٤/ ٤٢١)، ((النهاية)) (مادة: نوأ)؛ ((جامع الأصول)) النجوم (١١/ ٥٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>