للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللحديث عندي علة أخرى. وهي اضطراب عبد الرحمن أو من دونه في إسناده، فتارة كان يرفعه كما مضى، وتارة كان يرويه موقوفاً على عمر، لا يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما رواه أبو بكر الآجري في كتاب (الشريعة) (ص٤٢٧) من طريق عبد الله ابن إسماعيل بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن زيد به، وعبد الله هذا لم أعرفه أيضاً، فلا يصح عن عمر مرفوعاً ولا موقوفاً، ثم رواه الآجري من طريق آخر عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أنه قال: من الكلمات التي تاب الله بها على آدم قال: ((اللهم أسألك بحق محمد عليك .. )) الحديث نحوه مختصراً، (١) وهذا مع إرساله ووقفه، فإن إسناده إلى ابن أبي الزناد ضعيف جداً، وفيه عثمان بن خالد والد أبي مروان العثماني، قال النسائي: (ليس بثقة).

وعلى هذا فلا يبعد أن يكون أصل هذا الحديث من الإسرائيليات التي تسربت إلى المسلمين من بعض مسلمة أهل الكتاب أو غير مسلمتهم. أو عن كتبهم التي لا يوثق بها، لما طرأ عليها من التحريف والتبديل كما بينه شيخ الإسلام في كتبه، ثم رفعه بعض هؤلاء الضعفاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم خطأ أو عمداً.

مخالفة هذا الحديث للقرآن:

ومما يؤيد ما ذهب إليه العلماء من وضع هذا الحديث وبطلانه أنه يخالف القرآن الكريم في موضعين منه:

الأول: أنه تضمن أن الله تعالى غفر لآدم بسبب توسله به صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل يقول:

فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة: ٣٧] وقد جاء تفسير هذه الكلمات عن ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما مما يخالف هذا الحديث، فأخرج الحاكم (٣/ ٥٤٥) عنه: ((فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ قال: أي رب! ألم تخلقني بيدك؟

قال: بلى. قال: ألم تنفخ فيَّ من روحك؟ قال: بلى. قال: أي رب! ألم تسكنّي جنتك؟ قال: بلى. قال: ألم تسبق رحمتك غضبك؟ قال: بلى. قال: أرأيت إن تبتُ وأصلحت، أراجعي أنت إلى الجنة؟ قال: بلى. قال: فهو قوله: فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ [البقرة: ٣٧])) (٢) وقال الحاكم: (صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.

... وقول ابن عباس هذا في حكم المرفوع من وجهين:

الأول: أنه أمر غيبي لا يقال من مجرد الرأي.

الثاني: أنه ورد في تفسير الآية، وما كان كذلك فهو في حكم المرفوع ...

ولا سيما إذا كان من قول إمام المفسرين عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ((اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل)) (٣).

وقد قيل في تفسير هذه الكلمات: إنها ما في الآية الأخرى قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: ٢٣].وبهذا جزم السيد رشيد رضا في (تفسيره).


(١) [٣٨٠٤])) رواه الآجري في ((الشريعة)) (١/ ٣٩٥).
(٢) [٣٨٠٥])) رواه الحاكم (٢/ ٥٩٤) والآجري في ((الشريعة)) (١/ ٣٧٠) وابن أبي حاتم في ((التفسير)) (١/ ١٠٤) قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي, وصححه الألباني في ((التوسل)) (١١٣).
(٣) [٣٨٠٦])) رواه أحمد (١/ ٢٦٦) (٢٣٩٧) والطبراني (١٠/ ٢٦٣) والحاكم (٣/ ٦١٥) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي, وقال البزار في ((البحر الزخار)) (١١/ ٢٨٢): روي من غير وجه بأسانيد مختلفة وباختلاف ألفاظ, وصححه ابن عبد البر في ((الاستيعاب)) (٣/ ٦٧) وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٩/ ٢٧٩): لأحمد طريقان رجالهما رجال الصحيح, وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)): إسناده صحيح, وصححه الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (٦/ ٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>