للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا يلزم إذاً من كون جاهه صلى الله عليه وسلم عند ربه عظيماً، أن نتوسل به إلى الله تعالى لعدم ثبوت الأمر به عنه صلى الله عليه وسلم، ويوضح ذلك أن الركوع والسجود من مظاهر التعظيم فيما اصطلح عليه الناس، فقد كانوا وما يزال بعضهم يقومون ويركعون ويسجدون لمليكهم ورئيسهم والمعظم لديهم، ومن المتفق عليه بين المسلمين أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو أعظم الناس لديهم، وأرفعهم عندهم. ترى فهل يجوز لهم أن يقوموا ويركعوا ويسجدوا له في حياته وبعد مماته؟

الجواب: إنه لا بد لمن يجوز ذلك، من أن يثبت وروده في الشرع، وقد نظرنا فوجدنا أن السجود والركوع لا يجوزان إلا له سبحانه وتعالى، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد أو يركع أحد لأحد، كما أننا رأينا في السنة كراهية النبي صلى الله عليه وسلم للقيام، فدل ذلك على عدم مشروعيته.

ترى فهل يستطيع أحد أن يقول عنا حين نمنع السجود لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إننا ننكر جاهه صلى الله عليه وسلم وقدره؟ كلا ثم كلا.

فظهر من هذا بجلاء إن شاء الله تعالى أنه لا تلازم بين ثبوت جاه النبي صلى الله عليه وسلم وبين تعظيمه بالتوسل بجاهه ما دام أنه لم يرد في الشرع.

هذا، وإن من جاهه صلى الله عليه وسلم أنه يجب علينا اتباعه وإطاعته كما يجب إطاعة ربه، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا أمرتكم به)) (١) فإذا لم يأمرنا بهذا التوسل ولو أمرَ استحباب فليس عبادة، فيجب علينا اتباعه في ذلك وأن ندع العواطف جانباً، ولا نفسح لها المجال حتى ندخل في دين الله ما ليس منه بدعوى حبه صلى الله عليه وسلم، فالحب الصادق إنما هو بالاتِّباع، وليس بالابتداع كما قال عز وجل: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ [آل عمران: ٣١] , ومنه قول الشاعر:

تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... هذا لعمرك في القياس بديع

لو كان حبك صادقاً لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع

أثران ضعيفان:

١ – أثر الاستسقاء بالرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاته:

وبعد أن فرغنا من إيراد الأحاديث الضعيفة في التوسل، وتحقيق القول فيها يحسن بنا أن نورد أثراً، كثيراً ما يورده المجيزون لهذا التوسل المبتدع، لنبين حاله من صحة أو ضعف، وهل له علاقة بما نحن فيه أم لا؟

فأقول: قال الحافظ في (الفتح) (٢/ ٣٩٧) ما نصه: (وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الدار – وكان خازن عمر – قال: ((أصاب الناس قحط في زمن عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! استسق لأمتك، فإنهم قد هلكوا، فأتي الرجلُ في المنام، فقيل له: ائت عمر .. )) الحديث. (٢) وقد روى سيف في (الفتح) أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة).

... والجواب من وجوه:


(١) [٣٨١٠])) رواه الشافعي في ((المسند)) (١/ ٢٣٣) والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (٧/ ٧٦) وفي ((شعب الإيمان)) (٣/ ٢٣٩) والبغوي في ((شرح السنة)) (٧/ ٢٤١) من حديث المطلب بن حنطب رضي الله عنه, قال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (٤/ ٤١٧) إسناده مرسل حسن.
(٢) [٣٨١١])) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (٦/ ٣٥٦) , وضعفه الألباني في ((التوسل)) (١١٨) قال: فيه مالك الدار غير معروف العدالة والضبط.

<<  <  ج: ص:  >  >>