للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكر النووي من أحكام هذا الحديث: تبرك الصحابة بشعر الرسول صلى الله عليه وسلم الكريم، وإكرامهم إياه أن يقع منه إلا في يد رجل سبق إليه (١).

ولعل حرص الصحابة رضي الله عنهم على ذلك في حجة الوداع لإظهار مدى حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمهم له على مرأى جموع الحجاج.

٢ - التبرك بريق النبي صلى الله عليه وسلم.

في الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى بعبد الله بن الزبير. قالت: ((فأتيت المدينة فنزلت بقباء، فولدته بقباء، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره، ثم دعا بتمرة فمضغها، ثم تفل في فيه، فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ثم حنكه بالتمرة)) الحديث (٢).

وجاء في صحيح البخاري في حديث صلح الحديبية أن عروة بن مسعود الثقفي رضي الله عنه قال عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ((فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده ... )) (٣).

قال ابن حجر رحمه الله معلقاً على فعل الصحابة رضي الله عنهم ونحوه في هذه الغزوة مع الرسول صلى الله عليه وسلم: (ولعل الصحابة فعلوا ذلك بحضرة عروة، وبالغوا في ذلك،، إشارة منهم إلى الرد على ما خشيه من فرارهم، وكأنهم قالوا بلسان الحال: من يحب إمامه هذه المحبة، ويعظمه هذا التعظيم، كيف يظن به أن يفر عنه ويسلمه لعدوه؟ بل هم أشد اغتباطاً به وبدينه وبنصره من القبائل التي يراعي بعضها بعضاً بمجرد الرحم) (٤).

٣ - التبرك بعرق النبي صلى الله عليه وسلم.

جاء في صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل بيت أم سليم فينام على فراشها وليست فيه، قال: فجاء ذات يوم فنام على فراشها، فأُتيت فقيل لها: هذا النبي صلى الله عليه وسلم نام في بيتك على فراشك، قال: فجاءت وقد عرق، واستنقع عرقه على قطعة أديم على الفراش، ففتحت عتيدتها، فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصره في قواريرها، ففزع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((وما تصنعين يا أم سليم؟ فقالت: يا رسول الله نرجو بركته لصبياننا، قال: أصبت)) (٥).

ج- تبركهم بما لبسه أو لمسه أو فضل منه صلى الله عليه وسلم:

- التبرك بثياب النبي صلى الله عليه وسلم:

جاء في صحيح البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: ((جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببردة، فقال سهل للقوم: أتدرون ما البردة؟ فقال القوم: هي شملة، فقال سهل: هي شملة منسوجة، فيها حاشيتها، فقالت: يا رسول الله أكسوك هذه، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليها فلبسها، فرآها عليه رجل من الصحابة فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه، فاكسنيها، فقال: نعم فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم لامه أصحابه فقالوا: ما أحسنت حين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذها محتاجا إليها، ثم سألته إياها، وقد عرفت أنه لا يسأل شيئاً فيمنعه، فقال: رجوت بركتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أكفن فيها)) (٦).

وثبت في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى اللاتي يغسلن ابنته إزاره وقال: ((أشعرنها إياه)) (٧).

قال النووي رحمه الله تعالى: معنى ((أشعرنها إياه)): اجعلنه شعاراً لها، وهو الثوب الذي يلي الجسد، سمي شعراً لأنه يلي شعر الجسد، ثم قال: (والحكمة في إشعارها به تبريكها).


(١) من كتاب ((شرح النووي لصحيح مسلم)) (١٥/ ٨٢).
(٢) رواه البخاري (٣٩٠٩)، ومسلم (٢١٤٦).
(٣) رواه البخاري (٢٧٣١،٢٧٣٢).
(٤) ((فتح الباري)) (٥/ ٣٤١).
(٥) رواه مسلم (٢٣٣١).
(٦) رواه مسلم (٦٠٣٦).
(٧) رواه البخاري (١٢٥٣)، ومسلم (٩٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>