للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رابعاً: يلحظ كثرة ادعاء وجود وامتلاك شعرات منسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في كثير من البلدان الإسلامية (١) في العصور المتأخرة، حتى قيل إن في القسطنطينية وحدها ثلاثاً وأربعين شعرة سنة ١٣٢٧هـ، ثم أهدي منها خمس وعشرون وبقي ثماني عشرة (٢).

ولذا قال مؤلف كتاب (الآثار النبوية) بعد أن ذكر أخبار التبرك بشعرات الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل أصحابه رضي الله عنهم: (فما صح من العشرات التي تداولها الناس بعد ذلك فإنما وصل إليهم مما قسم بين الأصحاب رضي الله عنهم، غير أن الصعوبة في معرفة صحيحها من زائفها) (٣).

وهناك عناية بحفظ تلك الشعراء المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل من يدعي ذلك، حيث إنها تحفظ في صناديق أو قوارير وتلف بقطع من الحرير ونحوه.

على أنه في بعض الأماكن يحتفل بإخراجها – على طريقة خاصة – مرة واحدة أو أكثر كل عام، في بعض المواسم، كليلة ٢٧ من رمضان، أو ليلة النصف من شعبان مثلاً (٤).

ومن خلال ما تقدم فإن ما يدعى الآن عند بعض الأشخاص، أو في بعض المواضع من وجود بعض الآثار النبوية، كالشعرات أو النعال وغيرها – موضع شك، فيحتاج في إثبات صحة نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلى برهان قاطع، يزيل الشك الوارد، ولكن أين ذلك؟

يقول الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله: (ونحن نعلم أن آثاره صلى الله عليه وسلم، من ثياب، أو شعر، أو فضلات، قد فقدت، وليس بإمكان أحد إثبات وجود شيء منها على وجه القطع واليقين) (٥) لاسيما مع مرور أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان على وجود تلك الآثار النبوية، ومع إمكان الكذب في ادعاء نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم للحصول على بعض الأغراض، كما وضعت الأحاديث ونسبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كذباً وزوراً.

وعلى أي حال فإن التبرك الأسمى والأعلى بالرسول صلى الله عليه وسلم هو اتباع ما أثر عنه من قول أو فعل، والاقتداء به، والسير على منهاجه ظاهراً وباطناً، وإن في هذا الخير كله ...

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (كان أهل المدينة لما قدم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم في بركته لما آمنوا به وأطاعوه، فببركة ذلك حصل لهم سعادة الدنيا والآخرة، بل كل مؤمن آمن بالرسول وأطاعه حصل له من بركة الرسول بسبب إيمانه وطاعته من خير الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله) (٦). التبرك أنواعه وأحكامه لناصر بن عبد الرحمن الجديع - بتصرف– ص: ٢٤٣


(١) ومن الأمثلة على ذلك: القاهرة، دمشق، بيت المقدس، عكا، حيفا وغيرها. انظر كتاب ((الآثار النبوية)) لأحمد تيمور باشا (ص: ٨٩ - ٩٦).
(٢) انظر: ((الآثار النبوية)) (ص: ٩١).
(٣) انظر: ((الآثار النبوية)) (ص: ٨٢).
(٤) انظر: ((الآثار النبوية)) (ص: ٩١ - ٩٣، ٩٥)، وكتاب ((تبرك الصحابة بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم)) للكردي (ص: ٥٨ - ٦٠)، وكتاب ((تحذير المسلمين عن الابتداع والبدع في الدين)) لأحمد بن حجر البنعلي (ص: ١٦٨ - ١٧٠).
(٥) ((التوسل أنواعه وأحكامه)) للألباني (ص: ١٤٦)، وانظر كتاب ((أوضح الإشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة)) لأحمد بن يحيى النجمي (ص: ٣٠٩)، وكتاب ((هذه مفاهيمنا)) لصالح بن عبد العزيز آل الشيخ (ص: ٢٠٤).
(٦) ((مجموع فتاوى)) شيخ الإسلام ابن تيمية (١١/ ١١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>