وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الحج:٧٣] الآيات وقال تعالى: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر/١٣] وقال تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ [الإسراء:٥٧] الآيات، وغيرها ما لا يحصى يخبر الله تعالى أن من دعا مع الله إلهاً آخر ولو لحظة فقد كفر وإن مات على ذلك فلا فلاح له أبداً، ولو فعل ذلك نبيه لكان من الظالمين، وأنه لا كاشف للضر غيره ولا جالب للخير سواه، وأنه لا أضل ممن يدعو من دونه سواه، وأن من عبد من دون الله يكون عدواً لعابده يوم القيامة وكافراً بعبادته إياه من دون الله تعالى، وأنهم كلهم عباد مثل عابديهم مخلوقون مربوبون مملوكون تحت تصرف الله وقهره لا يستجيبون لمن دعاهم ولا يقدرون على استنقاذ ما استلبه الذباب فكيف يقدرون على قضاء شيء من حوائج عابديهم؟ بل قد أخبرنا عز وجل أنهم لا يسمعون دعاء من دعاهم، ولو سمعوا دعاءه ما استجابوا له، وأخبرنا أن من عبدوهم من الصالحين كالملائكة وعيسى وعزير وغيرهم أنهم لا يملكونَ كشف ضر من دعاهم ولا تحويله من حال إلى حال، بل هم يبتغون الوسيلة إلى ربهم والقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه، فينبغي للعباد الاقتداء بهم في ذلك الابتغاء والرجاء والخوف من الله عز وجل، لا دعاؤهم دونه، تعالى الله عما يشركون.
(لا يقبل الله تعالى منه) أي من ذلك الداعي مع الله غيره المتخذ من دونه أولياء (صرفاً) أي نافلةً (ولا عدلاً) أي ولا فريضةً (فيعفو عنه) في ذلك لأن الكافر عمله لا شيء، قال الله تعالى: فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا [الكهف:١٠٥] وقال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا [الفرقان:٢٣] وقال تعالى: مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ [إبراهيم:١٨]، وقال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا [النور:٣٩] الآيات، وقال تعالى لصفوة خلقه وهم الرسل عليهم الصلاة والسلام: ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأنعام:٨٨] وقال لسيدهم وخاتمهم وأكرمهم على ربه تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ [الزمر:٦٥].
(إذ) حرف تعليل (كل ذنب) لقي العبد ربه به (موشك الغفران) أي يرجى ويؤمل أن يغفر ويعفو عنه (إلا اتخاذ الند للرحمن) فإن ذلك لا يغفر ولا يخرج صاحبه من النار ولا يجد ريح الجنة، قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:٤٨] وقال تعالى: وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا [النساء:١١٦] وقال تعالى: مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:٧٢] وقال تعالى: وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:٣١]. معارج القبول بشرح سلم الوصول لحافظ الحكمي – ٢/ ٦٥٦