للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ [البينة: ٧]. وهي أدلة في القوة على ما ترى، إلا أن المخالفين ردوا على الاستدلال بها وعلى الرد رد، ورأى قوم أن الأدلة متكافئة فكان قول ثالث وهو التوقف والسكوت عن التفضيل. وإنا إن ذهبنا نتتبع الأدلة والردود ورد الردود لخرج بنا الموضوع عن حده وطال طولاً لا نستطيع الوقوف عند حد له. وهي مسألة - كما ذكرت - كثر فيها الاختلاف, وتشعبت فيها الاستدلالات, وتشابكت وعظم فيها الجدال حتى خرج بها بعضهم مخرج المنافرة والمفاخرة فأخذ يقول: منا الأنبياء ومنا الأولياء، فرد عليه بأن للملائكة أن تقول: أليس منكم فرعون وهامان؟ أليس منكم من ادعى الربوبية؟ (١) وأساء بعضهم الأدب فقال: كان الملك خادماً للنبي صلى الله عليه وسلم, أو أن بعض الملائكة خدموا بني آدم (٢). وهذه المسألة قد قال فيها ابن تيمية رحمه الله: (المسألة على هذا الوجه لست أعلم فيها مقالة سابقة مفسرة، وربما ناظر بعض الناس على تفضيل الملك، وبعضهم على تفضيل البشر، وربما اشتبهت هذه المسألة بمسألة التفضيل بين الصالح وغيره) (٣).

وقال ابن كثير: (أكثر ما توجد هذه المسألة في كتب المتكلمين والخلاف فيها مع المعتزلة ومن وافقهم) قال: (أقدم كلام رأيته في هذه المسألة ما ذكره الحافظ ابن عساكر في تاريخه في ترجمة أمية بن سعيد بن العاص أنه حضر مجلساً لعمر بن عبد العزيز وعنده جماعة فقال عمر: ما أحد أكرم على الله من كريم بني آدم) وذكر بقية الواقعة وفيها معارضة أحدهم بتفضيل الملائكة واستدلال كل (٤).

ولقد نزع جماعة من أهل العلم إلى أن هذه من فضول المسائل، قال البيهقي في التفاضل بين الملائكة والبشر: (والأمر فيه سهل، وليس فيه من الفائدة إلا معرفة الشيء على ما هو به) (٥). وقال شارح الطحاوية: (وكنت ترددت في الكلام على هذه المسألة لقلة ثمرتها, وأنها قريب مما لا يعني, ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) (٦).

وقال: (وحاصل الكلام أن هذه المسألة من فضول المسائل ولهذا لم يتعرض لها كثير من أهل الأصول) (٧).

ونقل عن تاج الدين الفزاري من كتاب له في تفضيل البشر على الملك ما نصه: (اعلم أن هذه المسألة من بدع الكلام التي لم يتكلم فيها الصدر الأول من الأمة ولا من بعدهم من أعلام الأئمة، ولا يتوقف عليها أصل من أصول العقائد, ولا يتعلق بها من الأمور الدينية كبير المقاصد، ولهذا خلا عنها طائفة من مصنفات هذا الشأن، وامتنع عن الكلام فيها جماعة من الأعيان، وكل متكلم فيها من علماء الظاهر بعلمه لم يخل كلامه من ضعف واضطراب) (٨).


(١) ((طبقات الحنابلة)) (٤/ ٢٠٧).
(٢) ((شرح الطحاوية)) (٢٧٩).
(٣) ((الفتاوى)) (٤/ ٣٥٤).
(٤) ((البداية والنهاية)) (١/ ٥٤) ((تهذيب تاريخ دمشق)) (٣/ ١٣٦).
(٥) ((شعب الإيمان)) (١/ ١٨٢).
(٦) ((شرح الطحاوية)) (٢٧٨).
(٧) ((شرح الطحاوية)) (٢٨٨).
(٨) ((شرح الطحاوية)) (٢٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>