ومن ذلك قوله تعالى مخاطباً نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: ٦٧]، فلم يستطع أحد أن يصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بقتل مع كثرة المتربصين له, بل وكثرة المحاولات لذلك، فتبوء كلها بالفشل أمام: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ.
والشواهد على ذلك كثيرة أوردها المؤرخون والرواة، وسردوا منها ما يثبت أن هذا التحدي لم يكن في مجتمع يخلص الود والحب، بل كان يكمن فيه أعداء متربصون, ماكرون, يكيدون من اليهود والمشركين.
ومن النوع الثاني الذي تحقق ومازال يتحقق الإخبار بعد أن وقع التحدي بالقرآن أنهم لن يأتوا بمثل هذا القرآن وأنهم لن يفعلوا فقال سبحانه: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء: ٨٨].
وقال سبحانه: وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة: ٢٣ - ٢٤]، إنه ليس تحدياً فحسب، بل تحد مع إخبار مسبق بأنهم لن يفعلوا!! ومازال التحدي جارياً وما زال الخبر الغيبي متحققاً.
ومنه ما جاء في بيان أن الله قد كتب للإسلام البقاء والخلود وحفظ القرآن: كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الحَقَّ وَالبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ [الرعد: ١٧]، وقوله سبحانه: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وقوله سبحانه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: ٩].
ويظهر ذلك ويستبين إذا علمت أن هذه الآيات نزلت في مكة في وقت كان المشركون متكالبين على الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه, وكان المسلمون في اضطهاد وتعذيب, ومع هذا جاءت هذه البشرى ترسل أشعتها, ولو كانت تحمل خبراً بظهورهم على قومهم فحسب لكان فيها إعجاز وأي إعجاز، فكيف وهي تحمل خبر (مكث الإسلام في الأرض) , و (إيتاء أكله في كل حين) , و (حفظ الله له)، والله ما هذا بقول بشر, ولا يقوله بشر لا يعلم مصيره، ولا يضمن لنفسه حياته، فكيف يضمن بقاء هذا الدين في حياته وبعد وفاته أبد الآبدين وما بقيت على الأرض حياة. خصائص القرآن الكريم لفهد بن عبد الرحمن الرومي- ص: ٨٧