والقرآن حين يكذبهم، يتحداهم بالإتيان بالتوراة: قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ الكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [آل عمران: ٩٤]، والآيات في هذا المعنى كثيرة وكثيرة، كلها شاهدة على تحريف التوراة والإنجيل, ومثبتة الحق الذي يجب أتباعه، ودالة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لو كان تلقى هذه الأخبار من أهل الكتاب في الجزيرة كما زعم خصومه، لجاءت موافقة لمعتقداتهم، لكن القرآن من لدن حكيم عليم، أنزل هذا القرآن الكريم وجعله مهيمناً على ما بين يديه من الكتاب، يرجع إليه المحققون، وطالبوا الحقيقة، لمعرفة الخبر الصادق، والقصص الحق.
وفي القرآن نصوص تؤكد هذه الحقيقة – هيمنة القرآن – وتدعو أهل الكتاب إلى أتباعه، والأخذ به، وتحذرهم من ضلالاتهم، وتحريفاتهم الباطلة: يَا أَهْلَ الكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ [المائدة: ١٥].
وبين في موضع آخر أن من مقاصد القرآن الأولى أن يبين لأهل الكتاب ما اختلفوا فيه فقال سبحانه: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النحل: ٦٤]، وقال سبحانه: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ، هذا قبس من هيمنة القرآن الكريم على الكتب السابقة لم يجعله الله سبحانه وتعالى إلا لكتابه المبين. خصائص القرآن الكريم لفهد بن عبد الرحمن الرومي– ص: ١٩٤