للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - يكفي في عدم التماثل أنه ترجمة وليس أصلاً) (١).

٥ - ومن المهم في ذلك أننا لا علم لنا بالأصل الذي ترجم.

٦ - وكذلك فإنا لا نعرف المترجم، ومدى معرفته باللغة المترجم عنها، وكذلك باللغة المترجم إليها؛ لأن الضعف في واحدة منهما يفسد اللفظ والمعنى جميعاً.

فإذا كان هذا صنيعهم في ألفاظ التوراة التي يزعمون أنها كلام الله، فكيف يؤمنون بعد ذلك في تفسيرهم لها وبيان معانيها، أو عند ترجمتها، لا شك أن العقل السليم يجزم بوقوع التغيير والتبديل في ذلك.

مستند الإجماع في المسألة: لقد شهد الله جل جلاله في مواضع عديدة من القرآن الكريم على تحريف اليهود والنصارى لكتبهم التي أنزلها الله سبحانه وتعالى لأنبيائهم؛ فمن ذلك قول الحق سبحانه وتعالى: أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة: ٧٥].

وقوله تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ [المائدة: ١٣].

ومعنى يحرفونه: أي يبدلون معناه، ويتأولونه على غير تأويله (٢).

قال القرطبي رحمه الله في قوله تعالى: ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ قال: (قال مجاهد والسدي: هم علماء اليهود الذين يحرفون التوراة، فيجعلون الحرام حلالاً والحلال حراماً اتباعاً لأهوائهم مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ أي عرفوه وعلموه وهذا توبيخ لهم) (٣).

ومن الأدلة أيضاً قوله تعالى: وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران: ٧٨].

ومن الأدلة المحسوسة على وقوع التحريف في كتبهم؛ إضافة إلى ما ذكره الله عز وجل عنهم في القرآن الكريم ما يلي:

١ - انقطاع السند، وعدم حصول التواتر في نقلها، فليس في أسفار اليهود وأناجيل النصارى ما تصح نسبته إلى أنبيائهم عليهم السلام.

فالتوراة لم يتم تدوينها إلا بعد موسى عليه السلام، ثم إن نسخة التوراة الأصلية قد ضاعت أيام الغزو البابلي لليهود، كما شهد بذلك أهل العلم منهم، ثم أعادوا كتابتها مرة أخرى (٤)، حتى جاء أحد ملوك الرومان وفتح فلسطين عام (١٦١ ق. م) فأمر بإحراق كافة النسخ التي عثر عليها من التوراة، وكل من احتفظ بنسخة منها يقتل، وكان يجري البحث عنها شهرياً، واستمر الحال على ذلك مدة زادت على ثلاث سنوات ونصف (٥).

وأما الإنجيل فإن الذي بأيدي النصارى منه أربع كتب مختلفة؛ وهم جميعاً متفقون على أنها أربعة تواريخ ألفها أربعة رجال وهم: يوحنا ومتى ومرقس ولوقا (٦)، ثم إن مرقس ولوقا لم يكونا من حواريي المسيح عليه السلام (٧).

٢ - التناقض الواضح والتعارض الفاضح بين نصوص التوراة، وكذلك الحال في نصوص الأناجيل (٨)، ولو كانت كلام الله حقيقة لاستحال أن يلحق بها تناقض أو اختلاف، يقول المولى تبارك وتعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا [النساء: ٨٢].

٣ - شهادة بعض علماء اليهود والنصارى على وقوع التحريف في كتبهم؛ وخاصة من رجع منهم إلى الحق، واتبع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم (٩).

وفي هذه الأدلة أوضح دلالة على أن الكتب التي سبقت القرآن الكريم قد وقع فيها التغيير والتبديل، وأن أهل الكتاب قد غيروا وبدلوا عن علم وإصرار. المسائل العقدية التي حكى فيها ابن تيمية الإجماع لمجموعة مؤلفين – بتصرف – ص: ٧٥٨


(١) ((مسلمو أهل الكتاب وأثرهم في الدفاع عن القضايا القرآنية)) (٢/ ٦٨٤ - ٦٨٥) باختصار.
(٢) انظر: ((تفسير الطبري)) م١ (١/ ٤٨٥)، و ((تفسير القرطبي)) (٥/ ٢٣٣).
(٣) ((تفسير القرطبي)) (٢/ ٦).
(٤) انظر: ((التوراة بين فقدان الأصل وتناقض النص)) (ص: ٤، ٥).
(٥) انظر: ((التوراة بين فقدان الأصل وتناقض النص)) (ص: ٨٤، ٨٥).
(٦) انظر: ((الفصل)) لابن حزم (١/ ٢٥١).
(٧) انظر: ((تخجيل من حرف التوراة والإنجيل)) (١/ ٢٨٤).
(٨) انظر: ((التوراة والأناجيل والقرآن الكريم بمقياس العلم الحديث)) (ص: ٥٥، ٥٦)، و (ص: ١٣٠، ١٣١)، و ((تخجيل من حرف التوراة والإنجيل)) (١/ ٢٨٣) وما بعدها، ((التوراة بين فقدان الأصل وتناقض النص)) (ص: ١).
(٩) انظر: ((التوراة والأناجيل والقرآن الكريم)) (ص: ١٥)، و ((التوراة بين فقدان الأصل وتناقض النص)) (ص: ٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>