للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتعقب المناوي السيوطي في كلامه هذا فقال: (وفاته – (يعني وفات السيوطي) – أن الفخر الرازي حكى الإجماع على تقديم موسى وعيسى على نوح فإنه قال في أسرار التنزيل: لا نزاع في أن أفضل الأنبياء والرسل هؤلاء الأربعة محمد وإبراهيم وموسى وعيسى) (١).

والحاصل أن النص دال على تفضيل محمد صلى الله عليه وسلم والإجماع منعقد عليه. وكذا يدل النص على أن إبراهيم يليه في التفضيل لحديث أنس قال: ((قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا خير البرية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك إبراهيم)) (٢). وقال السيوطي وابن حجر – كما نقله السفاريني عنه - أنهما لم يقفا على نقل أي الثلاثة أفضل بعد إبراهيم عليه السلام، ولكن النقل دال على تقديم موسى على عيسى عليهما السلام, ففي أحاديث المعراج أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بعيسى في السماء الثانية, ومر بموسى في رواية في السادسة، وفي أخرى في السابعة (٣)، يعني في منزلة أعلى من منزلة عيسى عليهم الصلاة والسلام، فموسى أفضل من عيسى، فبقي ترتيب نوح عليه السلام هل هو مقدم عليهما أم مؤخر عنهما أم هو بينهما؟

ولا نقل يدل على شيء من ذلك وليس الأمر مورد اجتهاد, وغاية ما يستطيعه من اجتهد بتأخير نوح الاستدلال بنصوص غاية ما فيها إثبات منقبة لكل واحد منهم من غير تخيير بين المناقب.

وتقديم أحدهما عليه أو تأخيره عنه – صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين – بتفضيل منقبة على أخرى مما لا يقبل اجتهاداً حتى يقوم عليه دليل، لأن ثبوت منقبة لا يستلزم التفضيل بها حتى يرد النص بالتفضيل، فالواجب اعتقاده فضل نوح عليه السلام بعد إبراهيم على الجملة من غير تعيين ترتيبه مع موسى وعيسى عليهم السلام، فيكون حاصل القول في تفاضل أولي العزم أن أفضلهم محمد ثم يليه إبراهيم ثم نوح وموسى وعيسى.

وموسى أفضل من عيسى عليهم الصلاة والسلام أجمعين، والله أعلم.

هذا الذي أراه – والله ورسوله بريئان من خطأي – أنه لا يفاضل بين نوح وكل من موسى وعيسى لعدم ورود نص في ذلك، ولكن المشهور بين أهل العلم - على قول ابن كثير المتقدم – تقديم موسى بعد إبراهيم، وإن صح قول الرازي الذي نقله المناوي عنه ... أن لا نزاع في تأخير نوح عن الأربعة أولي العزم الباقين، وإن صح كون ذلك إجماعاً فبها ونعمت, وإلا فالرأي عندي ما ذكرته، والله أعلم .. مباحث المفاضلة في العقيدة لمحمد بن عبدالرحمن الشظيفي – ص: ١٣٦


(١) ((فيض القدير)) (٣/ ٤٦٤).
(٢) رواه مسلم (٢٣٦٩). من حديث أنس رضي الله عنه.
(٣) ليس هناك من الروايات والأحاديث الصحيحة ما يفيد بأن موسى في السماء السابعة إنما هو في السماء السادسة وإبراهيم هو الذي في السابعة. والحديث رواه البخاري (٣٠٣٥)، ومسلم (١٦٤). من حديث مالك بن صعصعة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>