للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعقد الآجري باباً في كتابه (الشريعة) فقال: (باب ذكر ما فضل الله عز وجل به نبينا صلى الله عليه وسلم في الدنيا من الكرامات على جميع الأنبياء) (١) وقال الحافظ عبد الغني المقدسي في عقيدته: (فصل: ونعتقد أن محمداً المصطفى خير الخلائق وأفضلهم وأكرمهم على الله عز وجل وأعلاهم درجة وأقربهم إلى الله وسيلة) (٢).

ومما ينبغي أن يعلم ما اختص به بعض الأنبياء من الفضائل لا يقتضي أفضليته على صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون – صلوات الله وسلامه عليهم-، فإن المفضول يجوز أن يختص بما ليس للفاضل من غير أن يفضله بما اختص به، وقد وقع نحو هذا في نبينا صلى الله عليه وسلم وبعض أتباعه من الصحابة رضوان الله عليهم وهم دون الأنبياء في الفضل، فهذا عمر رضي الله عنه أخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان ينفر منه قال صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك)) (٣)، وعرض له صلى الله عليه وسلم الشيطان في صلاته ولم ينفر منه كما في حديث أبي هريرة (٤) قال القرافي في هذا: (وأين عمر من النبي عليه السلام، غير أنه لا يجوز أن يحصل للمفضول ما لا يحصل للفاضل) قال: (ومن ذلك أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أفضل من الملائكة على الصحيح، وقد حصل للملائكة المواظبة على العبادة مع جميع الأنفاس، يلهم أحدهم التسبيح كما يلهم أحدنا النفس إلى غير ذلك من الفضائل والمزايا التي لم تحصل للبشر، ومع ذلك فالأنبياء أفضل منهم لأن المجموع الحاصل للأنبياء من المزايا والمحاسن أعظم من المجموع الحاصل للملائكة, فمن استقرى هذا وجده كثيراً) إلى أن قال: (فعلى هذه القاعدة تخرجت الإقامة والأذان وأن من خواصهما التي جعل الله تعالى لهما أن الشيطان ينفر منهما دون الصلاة, وأن الصلاة أفضل منهما, ولا تناقض في ذلك بسبب أن المفضول يجوز أن يختص بما ليس للفاضل) (٥). فالحاصل أن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الخلائق ولا يلتفت إلى غير هذا، ولقد زعم قوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن أفضل من إبراهيم ولا من نوح ولا من آدم عليهم السلام لأن الثلاثة آباؤه، وامتنعوا من تفضيل الابن على الأب، وفضلوه على كل نبي لم يكن أبا له (٦). قال البغدادي: (وقياسهم يقتضي أن لا يكون أفضل من إدريس ولا من إسماعيل لأنهم أبواه) (٧) ولم ينصوا عليهما، فهم ينطقون عن جهل وسفه، وكذا يقتضي قياسهم أن يكون الأب الكافر المخلد في النار خير من الابن المؤمن المخلد في الجنة كمن نزل فيهم قوله سبحانه: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة: ٢٢]. مباحث المفاضلة في العقيدة لمحمد بن عبدالرحمن الشظيفي – ص ١٤٧


(١) ((الشريعة)) (ص: ٤٩٨).
(٢) ((عقيدة الحافظ المقدسي، ضمن المجموعة العلمية السعودية)) (ص: ٥٢).
(٣) رواه البخاري (٣٢٩٤)، ومسلم (٢٣٩٦). من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
(٤) الحديث رواه البخاري (٣٤٢٣) بلفظ: ((إن عفريتا من الجن تفلت البارحة ليقطع علي صلاتي، فأمكنني الله منه فأخذته، فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم، فذكرت دعوة أخي سليمان رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي*ص: ٣٥* فرددته خاسئا)).
(٥) ((الفروق)) (٢/ ١٤٤).
(٦) ((أصول الدين)) (١٦٥).
(٧) ((أصول الدين)) (١٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>