ومن يطالع دعوات الرسل يجد أنّ دعوتهم قد اصطبغت بالتبشير والإنذار، ويبدو أنّ التبشير والإنذار على النحو الذي جاءت به الرسل هو مفتاح النفس الإنسانية، فالنفس الإنسانية مطبوعة على طلب الخير لذاتها، ودفع الشر عنها، فإذا بصّر الرسل النفوس بالخير العظيم الذي يحصِّلونه من وراء الإيمان والأعمال الصالحة فإن النفوس تشتاق إلى تحصيل ذلك الخير، وعندما تُبيَّن لها الأضرار العظيمة التي تصيب الإنسان من وراء الكفر والضلال فإنّ النفوس تهرب من هذه الأعمال، ونعيم الله المبشر به نعيم يستعذبه القلب، وتلذُّه النفس، ويهيم به الخيال، اسمع إلى قوله تعالى يصف نعيم المؤمنين في جنات النعيم: عَلَىَ سُرُرٍ مّوْضُونَةٍ مّتّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مّخَلّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مّن مّعِينٍ لاّ يُصَدّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ وَفَاكِهَةٍ مّمّا يَتَخَيّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مّمّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً إِلاّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا لأصْحَابِ الْيَمِينِ [الواقعة: ١٥ - ٣٨].
وحسبك أن تطالع كتاب الترغيب والترهيب للحافظ المنذري وتقرأ منه على إخوانك ومن تدعوهم إلى الله، ثم انظر أثر هذا في نفسك وفي نفوس السامعين. إن بعض الذين لم يفقهوا دعوة الإسلام يعيبون على دعاة الإسلام أخذهم بالإنذار والتبشير، ويقولون: فلان واعظ، ويعيبون عليهم عدم فلسفتهم للأمور التي يدعون إليها، ويطالبون الدعاة بالكف عن طريقة الوعظ وتخويف النّاس وترغيبهم، وهؤلاء بحاجة إلى أن يراجعوا أنفسهم، وينظروا في موقفهم هذا، في ضوء نصوص القرآن وأحاديث الرسول التي تبين أسلوب الدعوة، وتوضيح مهمة الرسل الكرام. الرسل والرسالات لعمر الأشقر – ص: ٤٧