للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بطلان قول البراهمة:

والبراهمة الذين يزعمون أنّ العقل يغني عن الوحي لا نحتاج إلى إيراد الحجج لإبطال قولهم، وكل ما نفعله أن نوجه الأنظار إلى ما قادتهم إليه عقولهم التي زعموا أنهم يستغنون بها عن الوحي، هذا زعيم من زعمائهم في القرن العشرين يقول مفاخراً (١): (عندما أرى البقرة لا أجدني أرى حيواناً، لأني أعبد البقرة، وسأدافع عن عبادتها أمام العالم أجمع). ولقد قاده عقله إلى تفضيل أمّه البقرة على أمّه التي ولدته: (وأمي البقرة تفضل أمّي الحقيقية من عدة وجوه، فالأمّ الحقيقية ترضعنا مدة عام أو عامين، وتتطلب منّا خدمات طول العمر نظير هذا، ولكنّ أمنا البقرة تمنحنا اللبن دائماً، ولا تطلب منّا شيئاً مقابل ذلك سوى الطعام العادي .. ) ومضى عابد البقر يقارن بين أمّه البقرة وأمّه الحقيقية مورداً الحجج والبراهين على أفضلية أمّه البقرة على أمّه الحقيقية إلى أن قال: (إنّ ملايين الهنود يتجهون للبقرة بالعبادة والإجلال، وأنا أعدّ نفسي واحداً من هؤلاء الملايين). وقد قرأت منذ مدة في مجلة العربي التي تصدر في الكويت عن معبد فخم مكسو بالرخام الأبيض ترسل إليه الهدايا والألطاف – من شتى أنحاء الهند، بقي أن تعلم أنّ الآلهة التي تقدم لها القرابين وترسل لها النذور في ذلك المعبد الفخم إنّما هي الفئران. هذه بعض الترهات التي هدتهم إليها عقولهم التي زعموا أنّ فيها غنية عن الوحي الإلهي.

مجالات العقل:

إن الذين يريدون أن يستغنوا عن الوحي بالعقل يظلمون العقل ظلماً كبيراً، ويبددون طاقة العقل في غير مجالها، (إن للعقل اختصاصه وميدانه وطاقته، فإذا اشتغل خارج اختصاصه جانبه الصواب، وحالفه الشطط والتخبط، وإذا أجري في غير ميدانه كبا وتعثر، وإذا كلف فوق طاقته كان نصيبه العجز والكلال. إن العالم المادي المحسوس أو عالم الطبيعة هو ميدان العقل الفسيح الذي يصول فيه ويجول، فيستخرج مكنوناته، ويربط بين أسبابه وعلله، ومقدماته ونتائجه، فيكشف ويخترع، ويتبحّر في العلوم النافعة في مختلف ميادين الحياة، وتسير عجلة التقدم البشري إلى أمام.

أما إذا كلف النظر خارج اختصاصه أعني ما وراء الطبيعة فإنه يرجع بعد طول البحث والعناء بما لا يروي غليلاً ولا يشفي عليلاً، بل يرجع بسخافات وشطحات) (٢).

موقع العقل من الوحي:

يزعم كثير من الناس أن الوحي يلغي العقل ويطمس نوره، ويورثه البلادة والخمول، وهذا زعم كاذب، ليس له من الصحة نصيب، فالوحي الإلهي وجّه العقول إلى النظر في الكون والتدبر فيه، وحث الإنسان على استعمار هذه الأرض، واستثمارها، وفي مجال العلوم المنزلة من الله وظيفة العقل أن ينظر فيها، ليستوثق من صحة نسبتها إلى الله تعالى، فإن تبين له صحة ذلك فعليه أن يستوعب وحي الله إليه، ويستخدم العقل الذي وهبه الله إياه في فهم وتدبر الوحي، ثم يجتهد في التطبيق والتنفيذ.

والوحي مع العقل كنور الشمس أو الضوء مع العين، فإذا حجب الوحي عن العقل لم ينتفع الإنسان بعقله، كما أنّ المبصر لا ينتفع بعينه إذا عاش في ظلمة، فإذا أشرقت الشمس، وانتشر ضوؤها انتفع بناظريه، وكذلك أصحاب العقول إذا أشرق الوحي على عقولهم وقلوبهم أبصرت واهتدت فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: ٤٦]. الرسل والرسالات لعمر الأشقر - ص ٣٥


(١) هو زعيم الهند غاندي، انظر أقواله في كتاب ((مقارنة الأديان)) (٤/ ٣٢). وانظر: ((نظرات في النبوة)) (ص: ٢٧).
(٢) ((نظرات في النبوة)) (ص: ١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>